تعبيرية (أرشيف)
تعبيرية (أرشيف)
السبت 19 أكتوبر 2019 / 23:50

العلماء يؤمنون بالخرافات

لا نستطيع أن نستدل على صحة الرأي أو المُعتقد بالاحتماء بأسماء العلماء دون تحليل آرائهم كما تُحلل آراء غيرهم

وقع بين يدي كتاب منشور في عام 1939 وهو كتاب "الإنسان ذلك المجهول" لمؤلفه ألكسيس كاريل، الجراح الفرنسي الشهير الحائز على جائزة نوبل في الطب.

يزخر الكتاب بتأملات وملاحظات نابعة من المختبر العلمي الذي اشتغل فيها المؤلف، كثير منها تحمل في طياتها مواقف عابرة للزمن، إلا أنه في نفس الوقت، حملت بعض أفكاره ما لا يمكن تسويغه إلا في عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية، حينما كانت أوروبا تستعد لنحر بعضها بعضاً بعدما تفشت فيها الأيدولوجيات العنصرية كالنازية والفاشية والداروينية الاجتماعية وتحسين النسل، والتي يبدو أن كاريل كان أحد أنصارها.

يذكر كاريل أن سكان البلاد اللاتينية يتميزون بكثرة الشحم والدهون والبطون المُترهلة والقوام المضطربة ويتميزون ببشرة لا لون لها، ووجه قاسي فظ خالي من أي مظهر من مظاهر الذكاء بخلاف الأنجلوسكسون من ذوي الخصر الرفيع! فشكل الإنسان عند كاريل مرتبط بعاداته الفسيولوجية وأفكاره التي تنعكس على تقاسيم جسده، وهذا -بمنطق أيامنا- ليس مطرداً ولا صحيحاً بالضرورة، فقد يحمل الإنسان أفكاراً وعادات وحشية لكنه يمتلك رغم ذلك جسداً أنيقاً، والعكس صحيح، فقد يكون الإنسان راقياً ومهذباً وبشوشاً ومحبوباً إلا أن جسده سمين ومُترهل.

كذلك ادعى أن طوال القامة أكثر عرضة للإصابة بالجنون المبكر حتى لو كانوا رياضيين، والرياضيون اعتبرهم -بشكل عام- محدودي الذكاء! رغم أننا اليوم نعرف أن الرياضة تحسن الأداء العقلي وتدعم الذاكرة والتفكير. كان كاريل يرى أن معرفة العالم الخارجي قد تصل إلى الإنسان من غير مصادر حسية، كتوارد الخواطر وتراسل الأفكار، فيجب عنده القبول بعلوم ما وراء الطبيعة -على علاتها ومشاكلها- لأنها قد تكون جزءاً من الحقيقة، وهذا الحقل لا يزال اليوم خارج نطاق الاثبات، ولا يعتمد عليه العلماء في استخلاص أفكارهم ومعتقداتهم.

لم تسلم عقول علماء كبار -قديماً وحديثاً- من الخرافات والخزعبلات، فعالم فلكي عملاق مثل "كيبلر" آمن بالأساطير والسحر رغم أنه كان يُدرس انكسار الضوء في العدسات وكان أول من رسم مسارات أهليجية دقيقة لحركة الكواكب، ونيوتن كتب يدافع عن أساطير دينية متزمتة أكثر مما كتب عن قوانين الفيزياء التي عُرف في أنحاء العالم بها، فلا نستطيع أن نستدل على صحة الرأي أو المُعتقد بالاحتماء بأسماء العلماء دون تحليل آرائهم كما تُحلل آراء غيرهم، وإن كان تبنيهم لرأي ما يعطيه قوة معنوية بسبب الظن برجاحة عقولهم، إلا أن رجاحة العقل والحكمة مع السقطات والزلات ظاهرة إنسانية عامة في كل دين وحضارة.