الأحد 20 أكتوبر 2019 / 13:49

سياسة ترامب...من "أمريكا أولاً" إلى "أمريكاً الأخيرة"؟

يؤكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دوماً على سياسة "أمريكا أولاً"، خاصة في ما يتعلق بالسياسية الخارجية للولايات المتحدة، ولذلك لم يكن القرار الذي اتخذه في السادس من الشهر الجاري بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا مفاجئاً، إذ هو يشير إليه منذ شهور.

على واشنطنأن تكون حريصة على عدم تبديد مكانتها في المنطقة بخيارات قصيرة الأمد تتعلق بتكاليف دورها في أماكن مثل سوريا

ولكن الباحث سيث فرانتزمان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليلات، يرى أن تطبيق ترامب المتسرع للانسحاب من شمال سوريا يبدو الآن خاطئاً، لاسيما أنه أثار المخاوف بشأن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم اليوم.

ويلفت الباحث، في مقال بموقع "ذا هيل" الأمريكي"، إلى أن الإدارة الأمريكية تقول إنها ستعيد تحديد موقع قواتها، بما يسمح للنظام السوري وروسيا وتركيا بالقتال على شرق سوريا بغض النظر عن النتائج؛ حيث يعتبر ترامب أن سوريا تبتعد لمسافة 7000 ميل وليست أولوية للاستراتيجية الأمريكية.

الغزو التركي لسوريا

ويتساءل الباحث عما إذا كانت سياسة "أمريكا أولا" قد تحولت إلى "أمريكا الأخيرة" بشكل أساسي؛ لأن الولايات المتحدة تضع نفسها في الموضع الأخير في قائمة الدول التي تلعب بالفعل أدواراً قيادية في مناطق مثل سوريا. فعلى سبيل المثال، كل خطوة إلى الوراء تتخذها الولايات المتحدة تترك فراغاً سوف يملأه آخرون مثل روسيا، ومن الأمور الرمزية أنه بعد أن غادرت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في شمال سوريا، قام رجل يتحدث بالروسية بتصوير نفسه وهو يتجول حول القاعدة الأمريكية يوم 15 أكتوبر(تشرين الأول) الجاري.

ويعتبر الباحث أن الغزو التركي لسوريا سيكون له تداعيات بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وربما أيضاً على الصعيد العالمي. وتفسر إيران الانسحاب الأمريكي باعتباره دليلاً على أنه يمكن تهديد الولايات المتحدة لمغادرة قواعدها العسكرية، ولقد تحدت إيران بالفعل الحلفاء الأمريكيين مثل السعودية من خلال هجمات صواريخ كروز وطائرات بدون طيار. وتسعى الأحزاب السياسية المتحالفة مع إيران في العراق إلى مغادرة الولايات المتحدة من العراق، وذلك رغم حقيقة أن الولايات المتحدة ربما ترغب في نقل قواتها من سوريا إلى العراق.

ويقول التقرير: "إذا تراجع دور الولايات المتحدة في سوريا والعراق، فهذا يعني أنها ستعاني من انتكاسة في البلدين الرئيسيتين لحملة مكافحة داعش، كما يحقق ذلك أيضاً مكاسب إيرانية في سوريا والعراق، الأمر الذي يتناقض مع سياسة ترامب الرسمية المتمثلة في الضغط الأقصى على إيران".
   
تراجع النفوذ الأمريكي
ويضيف الباحث أن مفهوم وضع المصالح الأمريكية أولاً يشير على الأرجح إلى الاقتصاد الأمريكي، حيث تميل التجارة إلى اتباع النفوذ الأمريكي، أي أنه حينما يتوافر للولايات المتحدة وجود دبلوماسي كبير وحلفاء رئيسيون سوف تتوافر كميات كبيرة من التجارة. ويعتمد جزء أساسي من مفهوم النظام العالمي الليبرالي، الذي نشأ في نهاية الحرب الباردة، على أن العالم سوف ينتقل نحو الديمقراطية والرأسمالية، ولكن يبدو أن ثمة تراجعاً في ذلك الان مع تزايد الأنظمة الاستبدادية.

وبحسب الباحث تميل هذه الأنظمة الاستبدادية مثل إيران وروسيا وتركيا إلى العمل معاً في سوريا، وعندما ترغب في حل صراع مثل الحرب الأهلية في سوريا، فإنها تعمد إلى إغراق تلك الدول بمنتجاتها أيضاً؛ فعلى سبيل المثال لاشك في أن تركيا وإيران وروسيا سوف تلعب دوراً رئيسياً في إعادة إعمار سوريا، وعلى الأرجح أن الولايات المتحدة لن تشارك في هذه العملية. ومن ثم فإن الانسحاب من سوريا لا يعني فقط تخفيض عدد القوات الأمريكية من 1000 جندي إلى صفر، ولكنه يتعلق أيضاً بالتخلي عن العقارات التي يمكن أن تكون سوقاً أمريكياً أيضاً.

تداعيات طويلة الأمد
ويحذر التقرير من تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من سوريا؛ وبخاصة في ما يتعلق بمكانتها باعتبارها أقوى دولة في العالم وزعيمة العالم الحر، إذ يقود ذلك إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط كما تتأثر سمعتها ومصداقيتها بين الحلفاء لأنها تخلت عن شركائها المقاتلين الأكراد في شرق سوريا. وتواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن تحديات على جميع الجبهات بما في ذلك الحرب التجارية مع الصين والاستثمارات الصينية في إفريقيا والوجود الروسي في أوروبا الشرقية والوجود الإيراني في العراق والتوغل التركي في سوريا.

ويحض الباحث واشنطن يتعين بأن تكون حريصة على عدم تبديد مكانتها في المنطقة بخيارات قصيرة الأمد تتعلق بتكاليف دورها في أماكن مثل سوريا؛ حيث أن تلك الخيارات تنطوي على تداعيات طويلة الأمد عندما تتجه البلدان إلى روسيا أو الصين بدلاً من الولايات المتحدة.