الإثنين 21 أكتوبر 2019 / 12:27

نهاية مخيبة للعبة في سوريا

رأى الباحث ماثيو كونتينتي أن المذبحة التي تشهدها سوريا الآن ليست نتيجة الوجود الأمريكي، بل نتيجة انسحاب القوات الأمريكية، وخيانة الحلفاء والقيم الأمريكية.

اختارت أمريكا التراجع وتقويض نفوذها في سوريا لدرجة أن الحلفاء الأمريكيين باتوا يشعرون بالقلق، لاسيما مع عدم الرغبة في الالتزام بالموارد اللازمة لبناء الدولة

ويُشير الباحث، في مقال نشرته مجلة "ناشونال ريفيو"، إلى أن هذا هو نفس الذي حصل سابقاً عندما خفض الكونغرس المساعدات إلى فيتنام الجنوبية في 1975، وتكرر الأمر بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في 2011، وما يحدث في شمال شرق سوريا الآن سيتكرر مجدداً عندما تنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، إذ ينهار الحلفاء مع انسحاب القوات، ويتولى خصوم الولايات المتحدة زمام الأمور.

تناقض السياسة الأمريكية
وينتقد الباحث التناقض وقلة الاتساق في السياسة الأمريكية رغم مكانة الولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى، وهو نمط تشهده الولايات المتحدة قبل تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهام منصبه، وسيستمر بعد أن تنتهي ولايته، خاصةً لأن معظم القوى العظمى تطمع في الهيمنة، على عكس الولايات المتحدة التي تكره ذلك، بسبب التكاليف المرتفعة، والمطالب الضاغطة.

ويقول المقال، إن "الرئيس ترامب يُخرج أمريكا من بلد لم تكن فيه أبداً، وللأسف لم يكن الوجود الأمريكي في سوريا كافياً لردع تركيا، والواقع أن وجود 1000 جندي أمريكي فقط لا يشكل عائقاً كبيراً، فهم مجرد بيادق في لعبة عالية المخاطر، ولم تنطل هذه الخدعة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".

ويوضح الباحث أن النفوذ الأمريكي في سوريا ضعيف بناءً على رغبة إداراتي أوباما وترامب، ومن ثم فإن انتقاد سياسة ترامب من مسؤولي إدارة أوباما السابقين يبدو مثيراً للسخرية، فأين كانوا عندما قتل الأسد مئات الآلاف، وعندما استخدم هو وأردوغان الهجرة سلاحاً لتهديد أوروبا، وكذلك عندما قُتل المدنيون بالغاز، وتشكل تنظيم داعش الإرهابي، وتدخلت روسيا عسكرياً في سوريا؟

ويضيف الباحث أن الأمريكيين يرغبون في الخروج من الشرق الأوسط منذ أكثر من عقد، وقد وعد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بمغادرة العراق، وأفغانستان، وقال إن القوات الخاصة والغارات الجوية للطائرات دون طيار من شأنها أن تحافظ على الأمن العالمي.

ولكن الأمور لم تفلح على هذا النحو، فتصاعد الإرهاب، واندلعت الثورات العربية في المنطقة، وكان أوباما مجبراً على التدخل، وكان يقود من وراء الستار في ليبيا فضلاً عن مساعدة بعض جماعات المعارضة في سوريا بصورة مضللة.

الثورات العربية
ويقول المقال: "نجح أوباما في القضاء على نظام معمر القذافي في ليبيا، ولكنه ابتعد عن نظام بشار الأسد، فالأخير حليف لإيران وروسيا. وعلى الأرجح كان من شأن إجبار نظام الأسد على التنحي، أن يعرض فرص التوصل إلى صفقة النووي مع طهران، للخطر".

وحسب الباحث، فإن أوباما كان متسقاً في قضية واحدة تتمثل في أنه حافظ على الحد الأدنى من التدخل الأمريكي في ليبيا، وسوريا، والعراق، وكانت النتيجة واحدة في الدول الثلاث، وهي فشل الدولة، والحرب الأهلية.

إن بذور خروج ترامب المتسرع من سوريا تعود إلى بدء الانتفاضة ضد نظام الأسد في 2011، التي كانت اللحظة الحاسمة للتدخل الأمريكي.

ولكن الولايات المتحدة لم تتوفر لديها الرغبة يومها، لا بين الدوائر الشعبية ولا النخبة، في التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط، واتبعت القيادة السياسية الرأي العام.

ويشدد الباحث على أن ما تغفل عنه القوى العظمى لا يقل في الأهمية عما تفعله. وكانت الولايات المتحدة راضية بتمويل عدد قليل من المعارضين في الوقت الذي تركت فيه زمام الأمور في سوريا للآخرين.

وانقذت روسيا بشار الأسد من الانتقام بعد هجوم الغاز في 2013 وكذلك عندما اقتربت المعارضة من دمشق في في 2015.

معركة طويلة الأمد
ويلفت الباحث إلى أنه بحلول ذلك الوقت كان أوباما مجبراً على التدخل ضد داعش في شرق سوريا وغرب العراق، ولكن وُضعت بعض الخطوط الحمراء، وتعهد أوباما في خطابه الذي أعلن فيه عن حملة مكافحة الإرهاب في 2014، أن الولايات المتحدة لن تنجر إلى حرب برية أخرى في العراق، وستكون القوات العسكرية محدودة بما يكفي لهزيمة الإرهابيين وليست مستهدفة، كما أنها لن تؤثر على نتائج الحرب الأهلية السورية بشكل حاسم.

ويختتم المقال بأن الولايات المتحدة اختارت التراجع وتقويض نفوذها في سوريا إلى درجة أن الحلفاء  باتوا يشعرون بالقلق، لاسيما مع عدم الرغبة في الالتزام بالموارد اللازمة لبناء الدولة.

والواقع أن أمريكا غادرت العراق، وتخلت عن ليبيا، وغضت الطرف عن سوريا، فهي غير مستعدة للتضحية بحياة الأمريكيين في مجالات إضافية لمعركة طويلة الأمد ضد الإرهاب، ومن ثم فإن ما يحدث في سوريا، هو نتيجة للانسحاب الأمريكي، وخيانة للقيم الأمريكية.