عراقيون في مصنع ألمنيوم بالموصل (أ ف ب)
عراقيون في مصنع ألمنيوم بالموصل (أ ف ب)
الثلاثاء 22 أكتوبر 2019 / 14:08

الصناعة في الموصل تُكافح لاستعادة دورها بعد دحر داعش

بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي قبل عامين من الموصل في شمال العراق، ورثت كبرى مدن نينوى قطاعاً صناعياً مدمراً بفعل المعارك الدامية، وتسعى المدينة التي كانت تاريخياً مركزاً للتجارة في الشرق الأوسط، إلى إعادة فتح مصانعها تدريجياً، وسط عقبة الواردات المنافسة، والبنية التحتية التي تُحتضر.

قبل خمسة أعوام، عندما جعل تنظيم داعش الموصل عاصمة "الخلافة" المزعومة في العراق، توقفت الصادرات والصناعة فجأة. وفي الوقت الذي تتعافى فيه خطوط التصدير ببطء اليوم، احتلت الواردات الأسواق، وتبدو إزاحتها مستحيلة بسبب تكسير الأسعار.

معامل صغيرة
استأنف عصام سعدالله، العمل في معمله الصغير لإنتاج الألبان ومشتقات الحليب، في الشطر الغربي من الموصل منذ مدة قصيرة، بعد تدمير مصنعه "بنسبة 60% نتيجة القصف الجوي الذي صاحب التحرير"، حسب ما يقول.

وضع سعدالله كل مدخراته في مشروعه، حتى أنه اقترض المال من أقاربه لوضع حد لمخلفات الحرب وثلاثة أعوام من حكم داعش، حين كانت الموصل "منقطعة عن العالم الخارجي وإغلاق المعامل لأبوابها".

لكن بالنسبة لما يقارب مليوني شخص من سكان الموصل الذين خنقتهم البطالة والفقر المدقع، فإن الخيار كان سريعاً.

بضاعة رخيصة
يشتري نظير عبدالله، على سبيل المثال "البضاعة المستوردة خاصةً الصينية، لأن أسعارها رخيصة رغم أنها رديئة".

ومع راتبه القليل إذ يعمل موظفاً في أحد المطاعم، تمكن هذا العراقي من إجراء حساباته بسرعة. فبألفي دينار (أقل من دولارين بقليل)، يمكنه شراء قدر من الجبن الأبيض الموصلي، أو قدر أكبر بكثير من الجبن الأبيض التركي.

وشراء السلع الأجنبية أمر جديد في الموصل، إذ كان القطاع الخاص يفخر بوجود 350 مصنعاً حتى صيف 2014، وكان سكان البلاد يشترون منها لوازمهم من الأدوية، ومواد الصناعات الكيميائية، والزراعية، التي كانت تصنعها الدولة في المدينة التي كانت تعتبر أيضاً "سلة حبوب" البلاد.

تنتج مصانع الإسمنت في الموصل أكثر من مليون طن بجودة عالية سنوياً. وحتى 1990، كان الإسمنت الموصلي يصدر إلى سنغافورة.

كما أن أقمشة الموسلين القطنية الفاخرة، كانت تتدفق إلى باريس وغيرها من عواصم العالم.

انتهاكات داعش
لكن احتلال داعش، ترافق مع الاستيلاء على جميع وحدات الإنتاج، أو إغلاقها بالقوة من قبل الإرهابيين.

وحسب البنك الدولي، أعيد بيع ما بين 70 إلى 80% من معدات تلك المصانع خارج البلاد، أوتحولت لصناعة الأسلحة.

هجرت مصانع عدة بسبب نقص المواد الأولية، أو بسبب نزوح اليد العاملة الماهرة إلى المخيمات. أما الطلب، فانخفض، إذ كان السكان يفكرون في البقاء على قيد الحياة، أكثر من الإنفاق.

تحررت المدينة اليوم، لكن منتجاتها لا تزال غير عاجزةً عن التصدير. فتضاعفت الحواجز الأمنية في كل الأنحاء، وبعضها متضرر أو يتعرض لهجمات متكررة من الخلايا الإرهابية النائمة.

وعندما لا تغلق القوات النظامية  الطرقات، تتولى الفصائل المسلحة بذلك.

أزمة سياسية
في الآونة الأخيرة، أثار الموضوع أزمة سياسية بين بغداد وفصيل مسلح تابع لأقلية الشبك الشيعية، الذي رفض في مناسبتين الامتثال لأمر رئيس الوزراء، وقرر الإبقاء على نقاطه للتفتيش على الطريق الرئيسية بين الموصل وإقليم كردستان العراق، وأغلقه لأيام.

ويوضح مركز دراسات "تشاتام هاوس"، أن "تلك العائدات حيوية للجماعات المسلحة" التي تسعى إلى الحفاظ على وجودها بعد انتهاء المعارك.

بالنسبة إلى المنظمة الدولية للهجرة، التي تساعد رواد الأعمال على بدء أعمالهم التجارية، فإن المشكلة الكبرى الأخرى هي "انعدام المساواة في الوصول" إلى الخدمات العامة.

يقول هاشم النجار، الذي أعاد إطلاق إنتاجه من الأنابيب، والدلاء، والأواني البلاستيكية، إن "الكهرباء اليوم متردية، وعملنا يعتمد عليها كثيراً".

وبعين على الآلات ومساعدته لعماله، يستذكر النجار حقبة ما قبل 2014، عندما كانت المؤسسات العائلية تزود محافظات العراق بالبضائع لأن "الطريق سهل وآمن".

أما الآن فلا يبيع إلا في مدينته في شمال غرب العراق على الحدود مع تركيا وسوريا.

ضرائب
ولذلك، يقول عبدالمهيمن الحمداني، وهو صاحب أحد المصانع في الموصل، إن من المستحيل تخفيض الأسعار.

ويؤكد أن المطلوب هو فرض ضرائب على الواردات، لتكون المنافسة عادلة، بينما يتعرض المنتجون المحليون لعقبات "ارتفاع الإيجارات وتكاليف النقل".

وللعودة إلى العصر الذهبي قبل تنظيم داعش، يرى الخبير الاقتصادي خالد حامد، أن "إعادة الروح للمعامل في الموصل تتطلب دعماً حكومياً، وإصلاحاً للبنية التحتية، وتوفير جهاز مصرفي كامل" في بلد يصنف البنك الدولي نظامه المصرفي بـ"المتخلف".