جانب من تظاهرات لبنان (تويتر)
جانب من تظاهرات لبنان (تويتر)
الأربعاء 23 أكتوبر 2019 / 17:49

صناع الحدث| اللبنانيون ينتفضون في "ثورة سلمية"

24. إعداد: شادية سرحان

سعياً للخلاص من الفساد والظلم، تدخل الاحتجاجات في لبنان، التي أطلق عليها اسم "الثورة المبهجة"، لتمتعها بأجواء سلمية ومبهجة، والمطالبة بوضع حد لتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، اليوم الأربعاء، يومها السابع، بالرغم سلسلة الإجراءات التي أعلنتها حكومة سعد الحريري، إلا أن المتظاهرين واصلوا احتجاجاتهم في مناطق مختلفة من لبنان، في تأكيد منهم على أن "نفس المحتجين طويل" وسيستمرون في التظاهر، حتى تحقيق مطالبهم برحيل كافة الوجوه الموجودة في السلطة.

وفي استعراض نادر للوحدة، في بلد تمزقه الطائفية، لم يسلم أي زعيم، من غضب المحتجين، شارك محتجون من مختلف الأطياف السياسية، في المظاهرات التي اندلعت منذ مساء الخميس الماضي، وطالب المتظاهرون وسط بيروت بإقامة حاجز بشري مع قوى الأمن للتأكيد على سلمية تحركهم، مؤكدين على أن لغة الشارع اللبناني الآن أصبحت بعيدة عن الخطاب الطائفي، وهتفوا بشعارات الثورة: "ثورة.. ثورة، سلمية.. سلمية، هني هني كلهن أرطة حرامية، وامتلأت الشوارع بالآلف من كافة الأعمار والأطياف.

وطفح كيل الشعب في لبنان بسبب أفراد الطبقة السياسية الحاكمة التي زجت ببلادهم في متاهات وأزمات مستعصية وخانقة يصعب الخروج منها، فأخذ الشعب اللبناني المبادرة، من كبيرها إلى صغيرها، ولم يعد التهديد بالخوف من المجهول نافعاً، على إسكاتهم للتراجع عن مطالبهم برحيل هذه السلطة العاجزة والفاسدة، فاحملوا العلم واتجهوا للميادين والشوارع، مرددين: "الشعب يريد إسقاط النظام" و"كلّن، يعني كلّن".



الشارع اللبناني
وتحولت منطقة وسط بيروت إلى مساحة حرة للتعبير عن الهواجس والغضب، حيث اشتعلت الاضطرابات بدافع الغضب من ارتفاع تكاليف المعيشة وخطط فرض رسوم جديدة، منها رسوم على المكالمات الصوتية عبر تطبيق واتس اب، وهي خطوة تراجعت عنها السلطات سريعاً، إلا أن القرار فعل فعلته وحرك ما في النفوس من غضب واستياء عميق عمره أكثر من 20 سنة، كانت الأوضاع المعيشية والمالية والسياسية تتجه خلالها من سيئ إلى أسوأ دون وجود أي أمل أمام الشعب في مستقبل واعد.

وفقدت الحكومة في لبنان السيطرة على الشارع، حيث أصبح الشعب رجال ونساء من كافة الطبقات الاجتماعية ومن كل الانتماءات الطائفية، هو من يحكم الشارع ويدير الميادين، حيث حطموا جدار الخوف وركب بعضهم الدراجات النارية وارتدى البعض الآخر أقنعة (الجوكر)، ونظموا مسيرات سلمية مطالبين بإصلاح نظام استغله ساسة طائفيون في توزيع موارد الدولة، بما يحقق مصالحهم، بدلاً من بناء دولة تعمل على أسس متينة.

وأمام "مصرف لبنان المركزي"، تجمع العشرات مرددين شعارات "يسقط يسقط حكم المصرف" احتجاجاً على السياسات المالية، معتبرين أن القطاع المصرفي، الذي يعود له الجزء الأكبر من ديون الدولة، شريك في إفقار اللبنانيين.



مشهد التظاهرات

وبعيداً عن تصريحات المسؤولين و"حزمة الإصلاحات" التي أعلن عنها سعد الحريري، وبعيداً عماً ستؤول إليه حركة الاحتجاجات، فقد حظي مشهد التظاهرات في الشارع اللبناني باهتمام كبير في العالم العربي وخصوصاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كما حظيت المشاركة القوية للمرأة اللبنانية في المظاهرات بمقدار كبير من الاهتمام، حيث أكدوا على الحضور القوي للمرأة في لبنان مقارنة بالمجتمعات العربية التي تعاني من تغييب دور المرأة.



ولم تقتصر احتجاجات مئات الآلاف من اللبنانيين على الاحتشاد والهتافات السياسية فقط، بل ارتفعت أصوات الأغاني والأناشيد الوطنية، وشهد الحراك مشاهد طريفة كتدخين البعض للأرجيلة أوالشيشة وحتى لعب الورق أثناء المشاركة بالتظاهرات، وهذه المشاهد وغيرها أثارت ردود فعل إيجابية من جانب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالعالم العربي، حيث أشاد الكثيرون بالروح التي تسود الأجواء متمنيين للبنانيين "قضاء ثورة ممتعة".

وانعقدت حلقات الدبكة في الكثير من المدن التي شهدت تجمعات مناهضة للحكومة وردد المتظاهرون أغنيات حماسية لكل من فيروز وجوليا وماجدة الرومي وزكي ناصيف ومرسيل خليفة وغيرهم، وقد شارك خليفة المتظاهرين الذين تجمعوا بالآلاف في مدينة طرابلس بشمال لبنان.


كما وصف مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي، المظاهرات اللبنانية بالفرحة، وأنها رسالة يريد الشعب اللبناني إيصالها بكل حب بعيداً عن القتل والدمار، فقال أحد المغردين: "اللبنانيون انتفاضتهم فرح.. الله يحفظهم"، وكانت الاحتجاجات بالنسبة للكثيرين بمثابة "العرس"، فقالت إحدى المغردات: "العالم كلو عم يحكي عن هيدا العرس.. عرس لبنان"، ونشر بعض المغردون مقاطع من أغاني عن بيروت، فنشرت إحدى المغردات: "لبنان رح يرجع والحق ما بموت والشمس رح ترجع تزيّن سما بيروت".





ومن جانبهم، حرص عدد من الفنانين والإعلاميين اللبنانيين على مشاركة الشعب هذه التظاهرات والاحتجاجات، حيث نزلوا بكثرة إلى الشوارع إلى جانب الشعب، وشاركوا على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وسم #لبنان_يتنتفض، وشاركوا مقاطع فيديو وصورا لهم وهم يعبرون عن رأيهم ويساندون الشعب، ومن هؤلاء النجوم "نادين نجيم، وسعد رمضان، والإعلامية رابعة الزيات، وماغي بو غصن، ونادين الراسي".





وانضم عدد من رجال الدين من كافة الطوائف بلباسهم الديني، إلى المظاهرات، ولم يتوان أحد رجال الدين المسلمين في مدينة طرابلس من حمل كدسة من الدولارات وراح يوزعها على المتظاهرين في ساحة النور من دون استثناء. وعندما سألته المذيعة التلفزيونية عن سبب قيامه بهذه اللفتة أجاب: "لو قام كل نائب وزعيم بما أقوم به اليوم لوفروا على أنفسهم الكثير. فشبابنا يجوع وهو عاطل عن العمل ولا أحد يرأف إلى حاله".

وبدوره، دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اليوم، إلى تشكيل حكومة جديدة، معتبراً أن ما يشهده لبنان منذ الخميس الماضي هو انتفاضة شعبية تاريخية واستثنائية تستدعي اتخاذ مواقف وتدابير استثنائية".


الجيش اللبناني

وسعى الجيش اللبناني لطمأنة المحتجين اليوم، بعد محاولته فتح الطرق، وأوضح الجيش في حسابه على موقع تويتر، أن "محاولات فتح الطرق هدفها تسهيل وصول الحاجات الأساسية للمواطنين من مواد طبيّة ومواد غذائيّة ومحروقات وغيرها"، مؤكداً على أن "الجيش يقف إلى جانب الشعب في مطالبهم الحياتية المحقة، وهو ملتزم بحماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب".

ولفت الجيش إلى أنه "لم يألُ جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين"، كما طمأن المحتجين بالقول: إن "جنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم".


ولا تزال أبواب المصارف والجامعات وغالبية المدارس مغلقة مع تعذر الوصول إليها جراء قطع الطرق، حيث ما زالت عشرات الطرق في طول البلاد وعرضها مقطوعة، على الرغم من دعوة الجيش اللبناني في بيان بعدم قطع الطرقات، ومحاولات قوى الأمن، أمس الثلاثاء، فتح بعضها، لا سيما في العاصمة اللبنانية بيروت، فيما دعا كافة المتظاهرين اللبنانيين، اليوم للمشاركة في الإضراب العام، والنزول إلى الشوارع في محاولة للضغط على رموز السلطة في البلاد من أجل الاستقالة.