الروائي الأيرلندي جيمس جويس.(أرشيف)
الروائي الأيرلندي جيمس جويس.(أرشيف)
الأربعاء 23 أكتوبر 2019 / 20:41

تاريخ أدبي

قوبلت رواية "عوليس" بغضب، واستنكار لاهوتي جهم، لكنها جعلتْ جويس محط أنظار، وكان بالنسبة للجمهور العام، الرجل الذي كتب كتاباً قذراً

وُلد جيمس أوغسطين جويس في دبلن 2 فبراير (شباط) عام 1882، وكان معتل الصحة بشكل عام، شديد الذكاء، ضعيف البصر. نال تعليمه في مدارس الجيزويت على أيدي الرهبان الكاثوليك، المعروفين بصرامتهم، وإصرارهم على النظام، وإخضاع الذات إخضاعاً لا هوادة فيه. اهتم جويس في فترة تعليمه بالفلسفة، واللغات. في 1902 قرر جويس نفي نفسه بعيداً عن بلده، وعائلته، وكان رحيله إلى أوروبا.

تنتهي رواية جويس "صورة الفنان في شبابه"، برحيل بطلها ستيفن ديدالوس نهائياً عن أيرلندا، إلا أن جويس في الحقيقة،
 عاد إلى أيرلندا بعد عامين من هجرته، لحضور جنازة أمه. في روايته الشهيرة "عوليس"، تأتي الأم لابنها في حلم، والابن هو ستيفن ديدالوس أيضاً.
في جسدها الذاوي، داخل أكفانها البنية الفضفاضة، تفوح منها رائحة الشمع، وخشب الورد، ومن أنفاسها، وقد انحنتْ فوقه، خرساء، مؤنبة، رائحة باهتة لرفات رطبة. كان بجوار فراش موتها، سلطانية من الخزف الأبيض، تحتوي المُرَّة الراكدة الخضراء التي انتزعتها من كبدها التالف بنوبات من القيء، بأنين عال.
في عام 1989، كنتُ في قسم سيناريو بالمعهد العالي للسينما، وكانت مدة الفصل الدراسي، الخاص بجويس، ثلاثة أشهر. دراسة ملامح البطل عند جيمس جويس. كيف تحول بطل رواية "صورة الفنان في شبابه"، الشاعر ستيفن ديدالوس، إلى بطل ثانوي في رواية "عوليس" التي انحازتْ لبطل رئيسي آخر، وهو ليوبولد بلوم، مندوب الدعاية والإعلان الذي يعمل بالقطعة، والذي يستطيب حوائج الدجاج والبط والأوز، وقطع الكِبَد والقوانص المقلية بمسحوق الخبز المحمص.

كانت نقلة جيمس جويس الدرامية من ستيفن ديدالوس إلى ليوبولد بلوم، هي نقلة من الرومانسية إلى الواقعية، من التراجيديا إلى الكوميديا، من البطل الجليل، إلى البطل الوضيع، نقلة باختصار من الشعر إلى النثر.

جعل رئيس قسم الدراما منا فريقين، 4 ديدالوسيين، و4 بلوميين. اشترك الديدالوسيون في كتابة سيناريو مدته نصف ساعة، البطولة فيه للرومانسية الحالمة، وكذلك اشترك البلوميون في كتابة سيناريو مدته نصف ساعة، البطولة فيه للواقعية الوحشية الخشنة.

كانت هناك عقبة واحدة لم يصرح بها أحد، وهي أن الديدالوسيين والبولوميين على حد سواء، لم يستطع أحد منهم، قراءة رواية "عوليس" إلى النهاية. عرفنا في 1992، عام التخرج من المعهد العالي للسينما، أن رئيس قسم الدراما أيضاً، لم يتعدى في قراءة "عوليس" ال 100 صفحة الأولى، ومع ذلك لم يتخل عن تدريس جويس لطلبة قسم السيناريو.

في عام 1904 وقع جيمس جويس في حب نورا بارناكل، وهي فتاة في العشرين من عمرها، كانت تعمل خادمة مسؤولة عن غرف النوم في أحد الفنادق. رحل جويس ونورا إلى أوروبا. قبل رحيله، كان قد بدأ في كتابة مجموعته القصصية الوحيدة "أهالي دبلن". نشر الكتاب في 1914. في زيارة لدبلن 1909، سمع جويس بشائعة، أو حقيقة، أن أحد المعارف كان على علاقة بنورا زوجته.

تأثر جويس من احتمال خيانة زوجته، وكان أثر الحادثة، موجوداً في علاقات مولي زوجة بلوم في رواية "عوليس". مولي الإسبانية من جبل طارق كانت لعوباً، وأجمل من نورا الحقيقية. في الحرب العالمية الأولى كان جويس يعيش في "تريستما" التي كانت جزءاً من الامبراطورية النمساوية الهنغارية. انتقل جويس إلى زيورخ عام 1915.

في أواخر عام 1920 أوقفتْ مجلة "ليتل ريفيو" نشر رواية "عوليس" مسلسلة، بعد شكوى تقدمت بها جمعية نيويورك لمنع الرذيلة. سارع جويس بالموافقة على اقتراح الناشرة الأمريكية، المنفية في باريس، سيلفيا بيتش، بنشر الرواية في دار نشر تملكها اسمها "شكسبير". خرجتْ النسخ الأولى من المطبعة في 2 شباط (فبراير) 1922، في عيد ميلاد جويس الأربعين.

في عام 1993، وبعد المحاولات البائسة أثناء الدراسة، التي لم تتعد ال 200 صفحة الأولى، نجحتُ أخيراً في قراءة أطول يوم في تاريخ الأدب، الخميس 16 حزيران (يونيو) 1904، وهو اليوم الذي تدور فيه أحداث رواية "عوليس"، والذي يستغرق 756 صفحة.

قوبلت رواية "عوليس" بغضب، واستنكار لاهوتي جهم، لكنها جعلتْ جويس محط أنظار، وكان بالنسبة للجمهور العام، الرجل الذي كتب كتاباً قذراً. وظهر رسم كاريكاتوري شهير في صحيفة "نيويوركر"، لسيدة مجتمع أمريكية تسأل بتردد بائعة كتب باريسية: هل عندك رواية "عوليس"؟

كانت هناك تجارة تهريب سريعة لرواية "عوليس"، كما كانت للرواية طبعة أمريكية مزورة "مضروبة"، إلى أن أصدر القاضي وولزي حكماً بأن رواية "عوليس" ليستْ من كتب الأدب المكشوف، مما دفع دار نشر في نيويورك إلى إصدار طبعة معتمدة للرواية عام 1934.