الخميس 24 أكتوبر 2019 / 12:35

هل يحقق سعيّد ثورة في تونس؟

بعد صدور النتائج الأولية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية، انتشر فيديو من 2013 على نطاق واسع، أظهر استديو إذاعياً من الداخل تهتز جدرانه بسبب زلزال. أمسك المذيع الطاولة قبل أن يتراجع ليسند نفسه إلى الجدار، يسُمع صراخ، لكن الضيف، وهو الرئيس التونسي المنتخب حديثاً قيس سعيّد، بالكاد تحرك. جلس بوجه جامد ثم تفقد ساعته.

بالنسبة إلى منتقديه والناخبين الذين يشكل الرئيس بالنسبة إليهم الخيار الأقل سوءاً، يأتي ذلك بمثابة متنفس. لكنّ داعميه الذين سئموا من المؤسسة يأملون في حدوث ثورة

وكتبت الصحافية في مجلة "إيكونوميست" الأمريكية لَيلي فورودي أن هذا الثبات عند مواجهة كارثة مزيفة، التي كانت مزحة في برنامج كاميرا خفية استضاف عدداً من الوجوه التونسية العامة في شهر رمضان، ترك انطباعاً مؤثراً.

عبادة شخصية
وقال الناشط في حملة الترويج لسعيّد، المهندس خير الدين دبيا: "بإمكانهم فعل ذلك مع ألف سياسي ولن يرد أحد الفعل مثل قيس". لقد تعززت عبادة شخصية "روبوكوب" أو الشرطي الآلي وفقاً لما أصبح هذا الشعبوي الساحر معروفاً به.

وفي فيديو انتشر بشكل واسع أيضاً على فايس بوك قبل يومين من الجولة الثانية من الانتخابات، ركبت صورة لرأس سعيّد على جسم لعبة الكومبيوتر الكلاسيكية سوبر ماريو، وهو يغذي حظوظه الرئاسية بالقفز على رؤوس منافسيه ويقوي نفسه بفضل فطر سحري مكتوب عليه "الشباب".

وتضيف الصحافية أن الأمر لم يكن مفاجئاً عندما حصد في المرحلة الثانية من الانتخابات أصوات 90% من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً.

سبب الفوز
حصل سعيّد القادم من خارج النادي السياسي على 73% من الأصوات متفوقاً على منافسه والقطب الإعلامي نبيل قروي.و يعود جزء من نجاحه إلى هذه الفيديوهات المنتشرة.

ورغم من أميته الرقمية أو ربما بسببها، وصل سعيد إلى السلطة من خلال تيار شبابي تغذيه حملة وسائل تواصل اجتماعي ذات جذور فوضوية.

ترددت أصداء أغاني ثورية في أرجاء العاصمة حين صدرت النتائج. ونتج الفرق الشاسع فيها عن رفض تونس للنخبة الحاكمة وللحكومات التي قادت البلاد منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي في 2011.

ومنذ ذلك العام، فشلت الحكومات في إحداث تغييرات بارزة، واستشرى الفساد وتعثر الاقتصاد. يُنظر إلى القروي الذي أمضى الكثير من حملته الانتخابية في السجن منتظراً الحكم عليه بعد اتهامه بتبييض الأموال والتهرب الضريبي على أنه مرتبط بالنظام القديم.

مثل السهم
أما سعيّد، فهو هو من خارج النظام ولا يملك حزباً، وهو محافظ اجتماعياً، ومحاضر في القانون وموضع إعجاب كبير بين الفئات التونسية الشابة.

يقف الرجل مستقيماً مثل السهم ويتحدث لهجته الخاصة بالعربية عوض اللهجة التونسية الاعتيادية. لم يكمل سعيد أطروحة الدكتوراه ومع ذلك يشير إليه معجبوه بـ "البروفسور".

حملته المقتصدة، وسلوكه الرتيب بشكل مؤلم، يعززان هالته غير القابلة للإفساد. انخرط سعيّد أولاً في السياسة أثناء اعتصامات القصبة بعد الثورة التي أطاحت بالحكومة المؤقتة المؤلفة من وزراء من النظام القديم.و في الأعوام التي تلت، تنقل بهدوء عبر أنحاء البلاد للانضمام إلى التظاهرات، وتجمعات الشباب للحديث عن رؤيته لتونس اللامركزية. وكان الناس يقترحون غالباً ترشيحه إلى الرئاسة.

رمز للسلطة الأخلاقية
حتى قبل نجاحه الانتخابي، أصبح قيس سعيّد رمزاً على الإنترنت للسلطة الأخلاقية بفضل مقابلاته التلفزيونية عن دستور بعد الثورة. وقال المدون نادر مثلوثي: "قد تحصل على نقاش بين شخصين وسينشر فرد صورة لسعيّد ليوقف النقاش ويقول إنه محق".

وتظهر صور مازحة أخرى وجه سعيّد وتحت كل واحدة منها عبارات "فرِح"، "حزين"، "غاضب"، علماً أن تقاسيم الوجه هي نفسها. وقال الطالب هشام حبوبة، إنه يحبه، مشيراً إلى أن الشخصيات الغريبة تكون جذابة أحياناً.

جيش إلكتروني
دعمت العديد من المجموعات الفايسبوكية المقيدة والمفتوحة سعيّد الذي لا يملك حسابا على فايس بوك، علماً أنه يقول إنه يستخدم غوغل أحياناً.

بدأت "كورة تونس" صفحةً لمشجعي كرة القدمن بـ 229 ألف، وأثناء الانتفاضة في 2011، بدأت تتسيس قبل أن تحشد لدعم سعيّد.

نشر أعضاء من حملة الشعب لدعم قيس سعيّد التي تضم 34 ألف متابع رسائل تنتقد خصومه، وتطلق صوراً معدلة. وتظهر إحدى الصور قيس سعيّد يحلق في سماء تونس محاطاً بقلب رسمته طائرة.

وظهرت قوة هذا الجيش الإلكتروني حين تسببت حملة مقاطعة أطلقها في خسارة قناة الحوار التونسي مليون متابع على صفحة فايس بوك في ساعات بعدما أهان مالكها سعيّد.

ليس كاملاً
يقول الباحث في الاتصالات السياسية في جامعة لافال بدر بن منصور، إن المجموعات الرقمية نفسها التي ساعدت على الإطاحة ببن علي، أعطته أفضلية أيضاً. فبعض داعمي سعيّد من الشباب قلقون من بعض وجهات نظره المحافظة مثل مسألة المساواة في الميراث بين الجنسين.

واعترف دبية، الناشط أيضاً في منظمات حقوقية بهذا القلق، قائلاً إنّ "قيس ليس كاملاً، ولا أحد يمثلك 100%"، مضيفاً أن دور الناشطين سيكون في الصراع للحفاظ على حقوق الفرد.

وأثناء ولايته، سيكون لسعيد قوة دستورية محدودة، إذ يتخذ البرلمان معظم القرارات المرتبطة بالشؤون الداخلية، وبما أنه لا يرتبط بأي حزب، فيمكن أن يصبح معزولاً بسهولة، كما يقول منتقدون والناخبين الذين رأوا فيه الخيار الأقل سوءاً، أما داعموه الذين سئموا من المؤسسة فيأملون أن يُحدث ثورةً فعليةً.