زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.(أرشيف)
زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.(أرشيف)
الإثنين 28 أكتوبر 2019 / 21:14

ما بعد البغدادي

المهم أن البغدادي مات مقتولاً أو منتحراً لا فرق، ولعل ذلك يوجب الاحتفاء أو الاحتفال. لكن داعش لم يمت قتلاً أو انتحاراً، وهذا هو الأهم

حظي خبر مقتل الإرهابي أبو بكر البغدادي باهتمام مستحق من قبل الإعلام العربي، ليس لأن البغدادي كان شخصية خارقة، ولكن لأن المقتول كان زعيماً لأخطر تنظيم إرهابي اجتاح أجزاء واسعة من الأرض العربية في وقت قياسي مثير للريبة، ولأن التنظيم الإرهابي ظهر في بلادنا أيضاً بلا مقدمات وكأنه نبت شيطاني لم نعرف حتى الآن من وضع بذرته في ترابنا ومن سقاه، وإن كنا نعرف من يقلم أطرافه الآن.

واحتفى رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب باصطياد السمكة الأكبر في بحر داعش، وظهر على الشاشات مستعرضاً إنجازه الكبير ومتفاخراً بقدرة المجموعة الخاصة الأمريكية التي نفذت العملية، رغم اعترافه بالاعتماد على معلومات مهمة قدمتها أجهزة استخبارية عربية.

السوريون من جهتهم لم يعلقوا كثيراً على العملية، وإن كانوا أعادوا التأكيد أن حربهم على داعش هي التي أنهكت التنظيم الإرهابي. والعراقيون هللوا للعملية وكشفوا أن مخابراتهم هي التي رصدت موقع البغدادي وقدمته للأمريكان، ما يعني أن المخابرات العراقية والسورية كانت تعرف مسبقاً أين يوجد زعيم التنظيم الإرهابي لكن الطرفين اختارا تقديم المعلومات هدية لترامب وتمكين قوة "دلتا" الأمريكية من نيل بطولة هذا الموسم في مكافحة الإرهاب!
المهم أن البغدادي مات مقتولاً أو منتحراً لا فرق، ولعل ذلك يوجب الاحتفاء أو الاحتفال. لكن داعش لم يمت قتلاً أو انتحاراً، وهذا هو الأهم.

قبل سنين تمكنت قوة أمريكية خاصة من صيد سمكة كبيرة أخرى حين تم رصد وقتل أسامة بن لادن الذي مات ولم تمت القاعدة، بل نشطت أكثر من ذي قبل واستعادت الكثير من قوتها حتى وصلت إلى منافسة داعش في مناطق سيطرة الإرهاب الظلامي في سوراقيا.

لا داعي هنا للتذكير بالسؤال الأهم عن نشأة القاعدة وظهور داعش ومن يقف وراء تأسيس التنظيمين الإرهابيين، لأن هناك من سيرد على هذا السؤال بتعييرنا بالاستسلام لنظرية المؤامرة. لكن، ربما يكون مفيداً التذكير بأن من أدار ظهره لحلفائه من أكراد سوريا وجعلهم لقمة سائغة لقوات الغزو التركي، وقبل ذلك بعقود طويلة تخلى عن حليفه الاستراتيجي في المنطقة وخرج من طهران تاركاً الشاه محمد رضا بهلوي يواجه مصيره، يستطيع في أي لحظة أن ينقلب على حلفائه وأن يكسر أدواته حين يرى مصلحته في ذلك.

لن نطرح سؤال النشأة، لكن من الطبيعي أن يطرح الجميع سؤال المصير، حين يتعلق الأمر بجثة قتيل لا أثر لأشلائه، وحين يقول رئيس الولايات المتحدة إن القتيل المنتحر كان يبكي ويولول قبل مقتله، ثم لا يؤكد أحد إن كان رآه أصلاً.

لم تظهر جثة بن لادن حتى الآن، وربما لن تظهر جثة البغدادي. وسيظل اختفاؤهما لغزاً محيراً للشكاكين والفضوليين وأصحاب الأسئلة الصعبة والمحرجة خاصة إذا ظهر في مكان ما شبيه لبن لادن أو البغدادي حليق الذقن ويرتدي سروال جينز.

هل يندرج هذا السؤال في إطار الهذيان؟ ربما. لكن السؤال مشروع وإجاباته السهلة الممكنة غير مقنعة.
أعود إلى العقلانية المفترضة لأطرح سؤالي عن مصير داعش بعد البغدادي..

التوقعات أن يتقلص نشاط داعش في المنطقة العربية، وأن يحمل التنظيم الإرهابي عدته ويهاجر إلى إفريقيا، لأن واشنطن ستخوض حرباً من نوع آخر هناك، وهي حرب تجارية مع الصين.