لبنانيون يحتجون في الشارع.(أرشيف)
لبنانيون يحتجون في الشارع.(أرشيف)
الإثنين 28 أكتوبر 2019 / 21:29

اللبنانيون في الشارع

الميليشيات بالتأكيد حائرة ومذهولة. إذ يبدو فجأة أن مئات الاف الصواريخ لا تعني أحداً، وأن شيئاً جديداً يحصل

النزول الى الشارع مع مئات الألوف، العجيج الصاخب موجود هنا منذ أيام، وهو دائماً يتموّن بقادمين جدد. هناك حركة دخول وخروج لا تتوقف. الناس يهتفون ويصرخون لكنهم لا يتعدون الآن ذلك. لقد أحرقوا الشارع في الأيام الأولى وحطموا الزجاج وجالوا في كل الأمكنة، لكنهم منذ تأكدوا من قوتهم امتنعوا عن ذلك. إنهم يصيرون أكثر لياقة وأكثر ابتهاجاً بتحركهم، بل يمكن القول إنهم لم يحظوا بمشاركة واجتماع كهذين منذ زمن طويل. إن دافعاً قوياً يخرجهم من بيوتهم الى الشارع. لقد تأكدوا من قوتهم فكل شيء متاح لهم. الجيش يحميهم وكذلك الأمن والكل مدهوشون من هذه القوة التي انفجرت وانتفضت في أوساط المدن والبلدات، انفجرت وجعلت كل شيء تحت رحمتهم. الدولة الأمنية التي ردت بالطرق التقليدية، قنابل الغاز المسيل للدموع والتوقيف والضرب، لم تلبث أن أدركت أنها أمام مئات الألوف أو أكثر من ذلك، مئات الألوف، لقد باتت في وقت قصير صورية وخائفة.

أمام مئات الألوف لا ندري أين هي القوة وماذا نفعل حيالها. كان ممكناً اللجوء إلى الجيش أو الأمن وبالفعل حدث ذلك، لكن الانتفاضة ردتهم الى حدودهم وها هم يطوقون الجمهور ويتركزون حوله، لكنهم، بالتأكيد، يتقربون من الحشد الذي جرّد السلطة، في وقت قصير، ليس فقط من شرعيتها، وحين نسمع المطالبة برحيل الوزارة التي لم تعقد اجتماعها الأول، ورحيل النواب الذين انتخبوا من سنوات وبقانون جديد. حين نسمع ذلك لا نجد اي اثر للميليشيات التي تملأ البلد. الميليشيات بالتأكيد حائرة ومذهولة. إذ يبدو فجأة أن مئات الاف الصواريخ لا تعني أحداً، وأن شيئاً جديداً يحصل. حين نتابع المحطات التلفزيونية أقوال الناس نشعر أننا أمام يوميات واعترافات، كل ما في جوف الشخص يخرجه، مشاكل مالية واجتماعية وحتى شرعية. إنهم يتكلمون بسخط ويطرحون همومهم أمام الجميع، "بطالة. فقر. الحاجة". وأيضاً مشاكلهم مع القضاء الشرعي وغير الشرعي: نساء مطلقات يطالبن في حقوقهن في رؤية أولادهن. إنه اعتراف شعبي، إنهم في الشارع والدولة غائبة وحائرة، لقد خرج المجتمع عليه ومنها ولأكثر من أيام. حاولت أن تتصدى لكنها الآن تحكم في الفراغ والحقيقة أنها تقف على الفراغ.

هناك جيش واجهزة أمن وهناك أيضاً قوى المقاومة ممثلة في الوزارة، وفجأة ينقلب الوضع تماماً. تبدو الجيوش والقوى المسلحة عاجزة. الشارع الأعزل يخرج بلا سلاح إلى العلن، والقوى التي تشكل الطبقة الحاكمة مختفية تماماً لولا تصريحات من هنا ومن هناك. لقد وضع الجمهور حداً للسلاح وشلّه تماماً، رغم ان السنوات الأخيرة كانت له وتحت سلطانه. ترممت الدولة لكن على أي أسس!! المسيحيون الذين كان لهم الدور الأول في بناء لبنان، السنة الذين هم طبقة إدارية، الشيعة الذين يملكون مئات الاف الصواريخ بحسب أقوالهم، الآن فترة الاستقواء على الدولة وإزاحتها. لقد ظهر أن السلاح، هذا السلاح بلا قوة. بعد عشرات سنين من الحرب الأهلية، لم تفعل الحرب سوى إقالة السلاح وتنحيته. الآن يظهر ضعفه وعبثيته وحرجه. هو الآن يترقب، لا نعرف ماذا ينتظر. الأغلب أنه لن يستطيع في الفترة القصيرة اللاحقة ان يفعل شيئاً. يمكننا القول أن هذه نهاية السلاح على الأقل يرى الجميع عجز هذا السلاح الذي أصبح كالقوة النووية، موجودة وقوية ولكن لا أحد يجرؤ على استعمالها.