مهاجرون من الأرمن (أرشيف)
مهاجرون من الأرمن (أرشيف)
الأربعاء 30 أكتوبر 2019 / 16:18

بعد الإدانة الأمريكية.. هذه تفاصيل الجريمة التركية في حق الأرمن

24 - أحمد إسكندر

علا التصفيق والهتاف عندما أقر مجلس النواب بالأكثرية قراراً يؤكد اعتراف الولايات المتحدة بالإبادة الأرمنية، وهي المرة الأولى التي يصل فيها مثل هذا القرار للتصويت في الكونغرس بعد عدة محاولات سابقة باءت بالفشل.

وانتهى الصمت الأمريكي على جريمة تركية نفذها أجداد أردوغان بحق الأرمن، إذ قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، أنها تشرفت بالانضمام إلى زملائها في "إحياء ذكرى إحدى أكبر الفظائع في القرن العشرين القتل المنهجي لأكثر من مليون ونصف من الرجال والنساء والأطفال الأرمن على يد الامبراطورية العثمانية".

مجاز للمتعة
لم يكن قتلاً بهدف العقاب أو القصاص، بل كانت مجازر للمتعة، وحفلات شواء للعيون المذعورة، والقلوب المرتجفة هلعاً، وعادة يومية لإشباع شهوة الدم، نعم أنها إبادة جماعية.



30 بلداً مع الاعتراف الأمريكي بالإبادة العثمانية للأرمن اعتبرت ما حدث إبادة جماعية ضد الجنس الأرمني على يد الأتراك، وظلماً جرى قبل 100 عام بحق 1.5 مليون رجل وامرأة وطفل، صدقوا أنهم يعيشون في رعاية دولة، قبل أن يكتشفوا أنهم صيد سهل لعصابة حاكمة من قطاع الطرق.

انتهازية تماطل في وصف المجازر الجماعية لهذا الشعب المنكوب بالوصف القانوني المستحق، على رأسها أحفاد القتلة في أنقرة، وحكومة الرئيس الحالي رجب أردوغان، الذي برأ أجداده من أي ذنب، واليوم بخطوة على الطريق الصحيح لم يعد التواطؤ من قبل أمريكا بالصمت بل أنقلب للعقوبات أيضاً.

يعتبر الأرمن واحداً من أقدم الأعراق في الشرق الأوسط، إذ يتواجدون في المنطقة منذ 2500 عام، وفرض عليهم الحكم العثماني منذ القرن الرابع عشر مرتبة اجتماعية أدنى، ونظر إليهم باحتقار شديد، خاصة في القرن التاسع عشر الذي تحول فيه الأرمن إلى "مسألة سياسية"، فضل العثمانيون التعامل معها بسياسات جائرة تنوعت بين الذبح والتنكيل والاستعباد والتهجير.

ولم تكن مخاوف السلطان عبد الحميد الثاني من تعاون الأرمن مع روسيا ضده مبرراً مقبولاً للشروع في ارتكاب سلسلة مجازر ضد رعاياه شرق الأناضول عام 1893، ليفتتح فصول العذاب الأرمني في المنطقة، بأول موجة تهجير كبرى تخطت 300 ألف مهاجر.

أسس السلطان عبد الحميد الثاني (السلطان الأحمر) ميليشيات من الخيالة الأكراد لمواجهة "الثورة المحتملة" للضحايا، باسم "الفرسان الحميدية"، لم تفرق بين العزل والمسلحين في هجومها على القرى بضراوة عام 1894، ونفذت مذبحة قرب مرعش، وأخرى بجوار بحيرة فان، ثم تواصلت المجازر حتى عام 1896.

لم يسلم الأرمن في أيامه الأخيرة من العذاب، وشهد أبريل 1909 جرائم مروعة شملت الولايات الأرمنية كلها خاصة أضنة، استحق بها ألقاب "القاتل العظيم والسلطان الأحمر وعبدول اللعين".

تركيا.. والباقون عبيد
كل ما ذكر كان مقدمات لـ "الجريمة الأم" حين بدأت خطوات الإبادة الجماعية للأرمن المدنيين بأمر مباشر من طلعت باشا وزير داخلية السلطنة مطلع عام 1915، بهدف ترحيل الشعب الأرمني إلى صحراء سوريا والعراق، تطبيقاً لنظرية حزب الاتحاد والترقي "تركيا للأتراك والباقون عبيد" على منحى مشابه للنازية والتفوق العرقي التي عرف بها هتلر واتباعه.



لم تكن رحلة بطلب المغادرة أو بالأمر المباشر، بل كانت بالرصاص الحي المباشرة ومشارط الجراحين والأطباء الذين استخدمتهم حكومة إسطنبول ذلك الوقت لذبح الأرمن، رصدها البروفيسور واهاكن دادريان، في دراسة وثائقية لتاريخ الأرمن وثق جانباً منها.

وهناك، كانت العين العربية تراقب العار العثماني لتخلده للأبد، ووثق شاهد عيان سوري يعرف بفائز الغصين ساعات القتل الطويلة بالقول: "كان الأتراك في ولاية بتليس يجمعون الأرمن في المتابن، ويضعون التبن في أبوابها ويضرمون النار بها، فيموت الرهائن الأرمن من الدخان، أما في موش فقد قتلوهم رمياً بالرصاص وطعناً بالسكاكين.

واستأجرت الحكومة في ولاية سيواس، قصابين بأجرة يومية لذبحهم، وكان أفراد الدرك يفرقون كل 10 على حدة ويرسلون واحداً بعد الآخر إلى القصابين وكان أفراد الفرق المتطوعة يربطون الضحايا رجالاً ونساء ويلقونهم من محلات عالية إلى الأسفل فلا يصلون إلا جثثاً هامدة محطمة.

وفي ديار بكر بحسب ما نقل الغصين كانوا يقتلونهم رمياً بالرصاص وبواسطة القصابين، وتارة يرمون بكثير منهم في الآبار والمغاور ويسدون أبوابها فيموتون جوعاً واختناقاً.

ويعد كتاب "المذابح في أرمينيا" لمؤلفه الغصين خلال العوام 1883 حتى 1968 باكورة الأعمال التي وثقت إبادة الأرمن على يد العثمانيين.

انهيار الخلافة

فرض القرن التاسع عشر بملابساته التاريخية على العثمانيين إعادة النظر في وضع دولتهم التي أصابها الوهن، فقد انهارت العسكرية التركية ووضحت الفوارق السحيقة بينها وبين الآليات الحربية الحديثة في غرب أوروبا.

تراخت القبضة الحاكمة لإسطنبول على ولاياتها إلى حد الاستقلال عنها، وثارت النزعات القومية في الإمبراطورية للمطالبة بالحرية، وبعد محاولة فاشلة من السلطان محمود الثاني للاستعانة بالأيديولوجية الإسلامية والتسمي بالخلافة، استقر القصر أخيراً على الأفكار الأوروبية لإنقاذ الوضع المتهالك.

وتبقى مأساة الأرمن شاهداً على ظلم العثمانيين وهوسهم بسفك الدماء، وتعذيب الشعوب، واضطهاد الأقليات العرقية والدينية، دون مسوغ سوى عنصرية الحكام من إسطنبول إلى أنقرة حالياً.



الحقد العثماني

امتلك الأرمن حضارة عريقة ولغة وأبجدية خاصة منذ القرن الرابع الميلادي، بينما تعود جذورهم إلى أرض أرمينيا التاريخية في الألف الثالثة قبل الميلاد، على أرض تمتد من منابع نهر الفرات حتى بحر قزوين وإيران شمالاً، وسلسلة جبال طوروس جنوباً، في حين امتدت أرمينيا الصغرى إلى الغرب من منابع نهر الفرات.

واكتسبت أرمينيا أهمية اقتصادية في العصور الوسطى لوقوعها على طريق التجارة بين البحر الأسود والعراق، كما كانت حداً بين الدولتين البيزنطية والإسلامية بآسيا، وعاشت الإمارات الأرمنية مستقلة ذاتياً في ظل السلطة السلجوقية.

مع انهيار لمؤسسات الدولة وتطاير الممالك التابعة للعثمانيين واحدة تلو الأخرى وجد عبدالحميد الثاني نفسه أمام مطالب الأرمن بالاستقلال على غرار القوميات المسيحية في البلقان، لكنه بدلاً من الاستماع والتفاوض لجأ إلى حيلة أشد تأثيراً، اتهمهم بالعمالة لصالح روسيا القيصرية وقمع حركتهم في مهدها.

وخطط العثمانيون لإزالة أرمينيا عن الوجود بإفراغها من سكانها، وربط دولتهم بأذربيجان وسائر العناصر ذات الأصل التركي من منغوليا حتى القوقاز، بهدف احتضنت فكرة نقاء العنصر التركي، وأحقيتهم المطلقة في السلطة والأرض دون باقي الشعوب.

ذبح الرقاب، وإشعال النيران في الأجساد، وإطلاق الرصاص على الصدور، وهدم البيوت على الرؤوس، والجوع والعطش في الصحراء، وترك الأوبئة والأمراض تنهش الأكباد، والعديد من الوسائل الوحشية الأخرى أباد خلالها العثمانيون أكثر من مليون ونصف المليون أرميني في واحدة من أكبر الجرائم بشاعة في التاريخ.

وحتى اليوم ما زال السلطان العثماني عبدالحميد الثاني (سلطان الدم) يكتسب مكانة خاصة في سلسلة الحكام أصحاب الأيادي الملطخة بدماء الأبرياء، ولم يكتف باضطهاد الأرمن بل ارتكب بحقهم مجازر مخزية ومروعة يشهد عليها تاريخ طويل من القتل والأرض المفروشة بالجثث.