القس والمبشر الأمريكي جيري فالويل (أرشيف)
القس والمبشر الأمريكي جيري فالويل (أرشيف)
الأربعاء 30 أكتوبر 2019 / 20:14

أمريكا الإنجيلية

في فترة الحرب الباردة، اقترنت الأصولية بالتيارات الأشد رجعية على المسرح السياسي، وكانت اليافطة التي اجتمع تحتها الأصوليون الإنجيليون الأمريكيون، هي مُطاردة الشيوعية في كل مكان على سطح الأرض، ولهذا كانت الحرب الباردة في إحدى صورها المكبوتة، حرباً دينية.

مع انتخاب رونالد ريغان عام 1980، الذي أُعيد انتخابه بعد ذلك بأربع سنوات، تنفست السياسة الإنجيلية الصعداء

ظهر مصطلح "الإنجيليين" في عالم السياسة، مع اللاهوتيين المؤمنين بعصمة الكتاب المقدس. كانت الرسالة الإنجيلية الأمريكية، رسالةً دينيةً، واجتماعيةً، وسياسيةً في آن واحد. بُثت رسالة الإنجيليين عبر برامج المرشدين الروحيين في الإذاعة والتلفزيون.

الإنجيليون المؤمنون يعارضون العالَم البروتستانتي الأمريكي، يعارضون كل ما يُطلق عليه "الليبرالية"، أو"الاشتراكية الديمقراطية"، أو "اليسارية"، مشددين على التقوى الشخصية، والمواضيع الأخلاقية، المستمدة حرفياً من النصوص المقدسة.

اتهم الأمريكيون الريفيون، الكنائس البروتستانتية، بالتخلي عن مسؤوليتها الأولى، والأهم، وهي الرد على حاجات المؤمنين الروحية، وكان هذا سبباً مباشراً في أفول الكنائس البروتستانتية، وانتعاش، وصعود الكنائس الإنجيلية.

منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي، كانت أمريكا تتحول سياسياً عبر إعادة تنصيرها. الشرور والآلام الاجتماعية في رؤية الإنجيليين، تُعالج عبر تعرية الخطيئة. مقر الخطيئة هو الفرد، وخلاص الفرد هو أن يتحكم في خلاص المجموعة.

جعلتْ مجلة تايم، ومجلة ونيوزويك الأمريكيتين 1976، عام الإنجيليين، فهذا العام هو الذي وعتْ فيه الصحافة الأمريكية، صعود الإنجيليين الذين أصبحوا حاضرين بقوة على المسرح السياسي.

رُبطتْ الإنجيلية بالانبعاث الأخلاقي، أو الخلقي، إذ كان يُفترض في الرئيس الجديد، أن يُجسد هذا الانبعاث الأخلاقي، وبعد فضيحة ووتر غيت، هاجمت الإنجيلية السياسية بشراسة، ممارسات السياسيين من منظور أخلاقي.

كان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مرشح الحزب الديمقراطي، والديمقراطي وصف يوازي تقريباً اليسار الاشتراكي الديمقراطي في أوروبا. هناك كلمات ثلاث لا يحبها الإنجيليون، وهي الديمقراطية، والليبرالية، واليسارية، فهي كلمات من السهل تداخلها في عرف الإنجيليين.

مع انتخاب رونالد ريغان في 1980، الذي أُعيد انتخابه بعد ذلك بأربعة أعوام، تنفست السياسة الإنجيلية الصعداء، فالرئيس رونالد ريغان، حظي بتأييد واسع من الحركات السياسية الأصولية الإنجيلية، واختلط بشدة منذ تلك اللحظة، مصطلح الأصولية، بمصطلح الإنجيلية، وهو اختلاط محبب غير مزعج للإنجيليين.

الأصل كلمة متداولة عند كل المتشددين، وحتى في مجال بعيد كل البعد عن السياسة، مثل الفلسفة، فقد كان الفيلسوف الألماني الشهير مارتن هيدغر، مهووساً بالأصول، أصل العمل الفني، أصل السؤال الفلسفي، أصل لغة التفلسف، إلخ... لدرجة أن بيير بورديو، عالم الاجتماع الفرنسي، أرجع تأييد هيدغر في فترة من حياته للنازية، لأصولية خطابه، وتفكيره الفلسفي.

تشكلت في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، مجموعات ضغط عدة، كان هدفها النهائي، وهو التأثير على القرارات السياسية من أجل مُعاودة تنصير أمريكا. المُطالبة بالصلاة في المدرسة، وحظر الإجهاض الذي أصبح فيما بعد قضية مُناكفة، ومُعاندة، بين الديمقراطيين، والجمهوريين.

الديمقراطيون غير المؤمنين يسمحون بالإجهاض، والجمهوريون الإنجيليون المؤمنون يُحرمونه. الجمهوريون ورثة تعاليم الكنائس الإنجيلية، والديمقراطيون ورثة تعاليم الكنائس البروتستانتية.

كان تحالف القس المبشر الأمريكي الراحل جيري فالويل 2007- 1933، مع الجمهوريين، بمثابة دفعة قوية لفوز الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في الثمانينيات من القرن الماضي.

جيري فالويل أيضاً كان خصماً للإجهاض، والجنسية المثلية، وغيرها من القضايا التي تخالف معتقداته الأصولية المسيحية.

أشار القس جيري فالويل، إلى أن أعظم المشاكل التي تواجه المجتمع الأمريكي، هي مشكلة الإجهاض، فهي رافعة تتيح ممارسة الضغوط على الدولة، لتعبئة المجتمع المدني. إن حكم محكمة عليا لامرأة حامل، بشرعية الإجهاض صراحةً، يُعد انتهاكاً لأهم تعاليم المسيحية قداسةً، سيما الوصية السادسة "لا تقتل".

فإذا كانت سلطات الدولة أذنت بانتهاك شريعة الله، ووضعتْ نفسها خارج الشرعية العليا، فإن العصيان المدني مشروع، فليس هناك مجال لأن ينتهك المواطنون القوانين إلا عندما ينتهك القانون البشري القانون الإلهي.

أحس اليمين المسيحي الإنجيلي، بأن النجاح الذي حققه رونالد ريغان في 1980، ثم في 1984، يرجع إلى تعبئة الجنوبيين ذي الرقاب الحمراء الذين اهتموا بالسياسة فجأةً بعد اعتكافهم في قلاعهم التقليدية الريفية.

استدعى الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، في إحدى تغريداته على تويتر، بمناسبة قضية عزله التي أثارها الديموقراطيون، الجنوبيين، الإنجيليين، الريفيين، للدفاع عن أمريكا.

ليست مصادفة أن يكون رونالد ريغان، الرئيس الأمريكي المفضل لدى الرئيس الأمركي الحالي دونالد ترامب.

يعتبر المفكر الفرنسي جيل كيبل، أن ظاهرة النهضة الأمريكية الإنجيلية، منعطف مهدوي، ووفقاً للمعتقد المهدوي، فإن ما قبل المهدوية، يتسم بالتردي المتفاقم، ولا بد من المهدوية التي تصطفي الفرد المُختار، المُخلّص الذي يحجب شرور البروتستانتية، ويقود الجميع إلى الكمال الروحي.