الخميس 31 أكتوبر 2019 / 11:25

ما الذي كان يعلمه أردوغان عن مخبأ البغدادي؟

ذكر الكاتب السياسي جيفرسون مورلي أنّه عقب اغتيال أبي بكر البغدادي، قال مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية لصحيفة "نيويورك تايمز" إن اكتشاف موقع زعيم داعش أتى بعد اعتقال واستجواب واحدة من زوجاته وأحد السعاة الصيف الماضي.

رأى بايلا علاقة الجهاز الاستخباري التركي بداعش عن كثب وعمل عن قرب مع ضباط الجهاز على الحدود السورية

وفي حديث لصحيفة "واشنطن بوست،" قال القادة الأكراد الذين أعلنوا في أبريل (نيسان) أن البغدادي كان في إدلب، إنّهم أمنوا المعلومات الاستخبارية للعملية. وأشار جهاز الاستخبارات العراقية إلى أنهم أعطوا موقع البغدادي إلى الأمريكيين بعد "مراقبة مستمرة وتشكيل قوة عمل متخصصة على مدار عام كامل". لكن جهاز الاستخبارات الوطنية التركية لم يكن من بين الذين نسبوا الفضل إلى أنفسهم في تعقب البغدادي.

أتى ذلك على الرغم من أنّ البغدادي كان يعيش على بعد أقل من 5 كيلومترات عن الحدود التركية، وفي منطقة يسيطر الجيش الحر المدعوم من أنقرة. بالتالي، وبحسب ما كتبه مورلي في مجلة "الجمهورية الجديدة"، يكشف موت البغدادي حقيقة جيوسياسية راسخة في الشرق الأوسط ولا تحظى بالأهمية اللازمة: حظي داعش دوماً بعلاقة عجيبة – أي ليست عدائية على وجه الحصر – مع تركيا.

ثناء باهت وشك متبادل
لم يكن الجهاز التركي دائم التحفظ. بعد قتل جمال خاشقجي، نشر رئيس الجهاز هاكان فيدان استخبارات صوتية عن القتل مع الصحافة التركية وأجهزة استخبارية غربية. بعد قتل البغدادي، كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما قاله لسنوات عن مساواته بين داعش والقوى الكردية التي تحالفت مع الولايات المتحدة ضد التنظيم حتى انسحاب ترامب الفجائي. قال أردوغان إنه "ليلة قيادة العملية... كانت هنالك ديبلوماسية مكثفة بين سلطاتنا العسكرية" والقوات الأمريكية القادمة.

ومنحت وزارة الدفاع التركية العملية الأمريكية ثناء باهتاً واصفة إياه بأنه اندرج "ضمن روحية التحالف والشراكة الاستراتيجية" في الصراع ضد الإرهاب. روحية هذا التحالف هي الشك المتبادل. خاف الجيش الأمريكي من أن يتم تسريب الخطوة ضد البغدادي فلم يخبر السلطات التركية سوى عن عملية كانت قيد التخطيط في المناطق التي يسيطر عليها الأتراك ولم يحدد الهدف وفقاً لما قاله مسؤول أمريكي لمجلة فورين بوليسي: "لم توفر تركيا أي مساعدة في هذه العملية، وكان موجوداً مباشرة بالقرب من حدودهم. وهذا يظهر لكم مدى صغر ما يفعلونه في مواجهة داعش."

تركيا قاعدة استراتيجية لداعش
قبل سنة، ذكر وزير العدل التركي أنّ حكومته كانت تحتجز 1150 مشتبهاً بانضمامهم لداعش، وهو رقم صغير أمام 9731 شخصاً سجيناً بسبب علاقة مزعومة مع حزب العمال الكردستاني أو 31442 سجيناً بسبب مناصرتهم لفتح الله غولن. يقول خبراء خارجيون إن هذه الأرقام تعكس أولويات أردوغان. السنة الماضية، أصدرت السلطات الاستخبارية تقريراً علنياً يشير إلى أن داعش يستخدم تركيا "كقاعدة استراتيجية" لإعادة تنظيم نفسه بطريقة تهدد أمن أوروبا.

ولفت التقرير إلى أن تركيا اتخذت بعض التحركات ضد داعش والقاعدة لكن تركيز أردوغان الأول على محاربة الأكراد أعطى المجموعات الإسلاموية "متنفساً كافياً وحرية حركة". وأضاف أن "واقع عدم تلاقي المصالح التركية مع الأولويات التركية في ميدان مكافحة الإرهاب إشكالي".

على تركيا تقديم شرح
يرفع التقييم الاستخباري وموقع البغدادي أسئلة عما إذا كانت أنقرة تتسامح أو تنسق مع عناصر من داعش و "عما إذا كان جهاز الاستخبارات الوطنية التابع لتركيا وداعش قد تمتعا بعلاقة في الماضي ولا يزالان يواصلان التعاون" وفقاً لما قاله لمورلي، مدير برنامج بناء السلام والحقوق في معهد دراسة حقوق الإنسان التابع لجامعة كولومبيا دايفد فيليبس. وكتب الموفد الأمريكي السابق إلى التحالف ضد داعش بريت ماكغورك في واشنطن بوست الأحد أنّ على تركيا تقديم بعض الشرح. وذكر أنه أمر لافت كيف أن الجيش الأمريكي اختار إطلاق عمليته من على بعد مئات الأميال من العراق بدلاً من المنشآت في تركيا، الحليفة في حلف شمال الأطلسي والقريبة من الحدود.

مغضب جداً
منذ 2013، صنف المسؤولون الأتراك داعش كمنظمة إرهابية، شن التنظيم هجمات قتلت 315 شخصاً وجرحت مئات آخرين وفقاً لصحيفة حرييت. لكن الضابط السابق في شرطة مكافحة الإرهاب التركية أحمد يايلا قال في مقابلة إنّ أردوغان والجهاز الاستخباري التركي "دعما باستمرار داعش، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". وقال يايلا إن تركيا دعمت المجموعة لزعزعة استقرار سوريا وتسريع إطاحة الأسد.

أشار يايلا إلى أنه رأى علاقة الجهاز الاستخباري التركي بداعش عن كثب وعمل عن قرب مع ضباط الجهاز على الحدود السورية. في سنة 2014 علم يايلا أن فيدان أنشأ وحدة خاصة للتعامل مع داعمي داعش بدون علم الشرطة. وحين سأل المسؤولين في الجهاز عما كانوا يفعلونه مع هؤلاء كان الجواب "لا شيء"، وفقاً لما قاله يايلا لمورلي.

وأضاف: "لكن كان لدينا جميع أدوات التحقيق وتبعناهم إلى الاجتماعات. لقد رأينا الإرهابيين يلتقون بجهازنا الخاص. لقد كان أمراً مغضباً إلى حد بعيد." وتابع: "الآن، هنالك آلاف الداعمين لداعش مختبئون في تركيا بين اللاجئين السوريين. إنهم ليسوا أولوية لأردوغان."

تركيا وداعش أول المستفيدين
كان مقتل البغدادي ضربة لداعش بلا شك لكن على الأرجح ضربة غير قاتلة. يتمتع التنظيم بالمرونة ليس أقله بسبب قدرته على العمل داخل تركيا وقد مكنه من ذلك أردوغان وجهاز المخابرات التركي. ومكنه ترامب أيضاً من ذلك لكن بصورة غير مباشرة. مع أو بدون البغدادي، تبقى تركيا وداعش أول المستفيدين من انسحاب ترامب الفوضوي من سوريا.

تقوم أنقرة اليوم بما عجزت عنه حين كانت القوات الأمريكية على الأرض: دفع الأكراد إلى خارج معاقلهم في شمال شرق سوريا بما يعطي المتعاطفين مع داعش متنفساً من أبرز قوات مقاتلة في المنطقة. وختم يايلا حديثه لمورلي قائلاً: "لا أتوقع أي تحرك تركي ضد داعش".