الأحد 3 نوفمبر 2019 / 14:40

روسيا وإيران تحصدان الخراب في سوريا

وصف الباحث دانيال ديبيتريس الحرب الأهلية في سوريا بأنها قصة "قبيحة" من الدماء والدموع واللاجئين استمرت ثماني سنوات وباتت أكثر تعقيداً؛ حيث تنطوي على جوانب متعددة تتجاوز المعنى التقليدي للهزيمة والانتصار، لافتاً أن الولايات المتحدة لم تتنازل عن سوريا لروسيا وإيران كما يرى البعض، وواقع الأمر أن سوريا باتت أشبه بمستنقع لا مكافأة.

إذا كان هناك فائزون فإن الغنائم ضئيلة للغاية، ويجب أن تكون الدول التي لديها مصلحة أكبر في النتائج التي وصلت إليها البلاد مسؤولة عن التمزق السياسي

وينتقد الباحث، في مقال بصحيفة "واشنطن إكزامينر"، التحليلات السياسية التي تعتبر انسحاب الولايات المتحدة من سوريا خلال الأسابيع الماضية بمثابة تنازل عن الشرق الأوسط لصالح روسيا وإيران وبداية الانهيار الدائم للقيادة الأمريكية في العالم.

أكثر من فوضى دموية
ويقول: "إنها قراءة خاطئة تماماً لأهمية المنطقة العربية للأمن القومي الأمريكي، لقد تم إخبار الرأي العام الأمريكي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي هما الفائزان بلا منازع في الصراع السوري. ولكن ثمة إشكاليات كبرى في هذا التفسير أولها أن سوريا ليست جائزة رائعة لهذين المنتصرين المفترضين؛ فبعد قرابة تسع سنوات من الحرب الأهلية والحروب بالوكالة تجاوز الوضع في سوريا بكثير الفوضى الدموية".

ويُشير الباحث إلى أن المدن في سوريا دمرت بأكملها، ويقدر البنك الدولي أن الاقتصاد السوري خسر 300 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2011 و2018، وربما يستغرق هذا الانخفاض الحاد جيلاً كاملاً من السوريين للتعافي إلى مستويات ما قبل الحرب.

وتصل كلفة إعادة إعمار سوريا إلى 400 مليار دولار ويتطلب ذلك من روسيا وإيران إنفاق رأس مال كبير إذا توافرت لديهما الفرصة لإخراج البلاد من هذا النفق المظلم، وعلاوة على ذلك فقد تم تشريد قرابة 6,2 مليون شخص، فضلاً عن افتقار حكومة دمشق للكفاءة اللازمة، لذا تبدو سوريا أشبه بالعبء لا مكافأة.

نفوذ روسيا على دمشق

ويرى الباحث أن الروس والإيرانيين لا يكتسبون سيطرة جديدة في سوريا. ويعود نفوذ موسكو على سوريا إلى ما قبل الرئيس السوري الحالي بشار الأسد؛ حيث كان الضباط السوريون يتدربون في المدارس العسكرية الروسية منذ بداية الحرب الباردة، وتعززت العلاقات التي استمرت عبر أجيال متعددة. وساهم الاتحاد السوفيتي سابقاً في تمويل سد الفرات، الأكبر في سوريا، وأشرف على بنائه مهندسون روس، كما كانت موسكو المورد الرئيسي للمعدات العسكرية لسوريا وبلغت قيمة التجارة بين البلدين 34 مليار دولار ما بين 1950 و1990.

ويعتبر الباحث أن دعم الاتحاد السوفيتي للزعيم السوري السابق حافظ الأسد من خلال نقل الأسلحة والإمدادات إلى دمشق أثناء حرب 1973 ضد إسرائيل، كان السبب الرئيسي في استمرار قدرة الأسد على مواصلة العمليات العسكرية.

براغماتية علاقة دمشق وطهران
وعلى رغم أن علاقة إيران مع سوريا ليست قديمة، إلا أنها واسعة النطاق. ويصف الباحث الشراكة بين طهران ودمشق بأنها كانت بمثابة سلوك براغماتي؛ إذ كانت الدولتان عدوتين لنظام صدام حسين في العراق، ولذلك تعاونا معاً لجعل الأمور صعبة بالنسبة إلى بغداد.

وفي الوقت الذي كان الغرب يضخ الأسلحة في ترسانة العراق لتعزيز جهود صدام حسين في الصراع ضد إيران، أقنع حافظ الأسد الليبيين والجزائريين بتوجيه تعزيزات عسكرية عبر سوريا إلى طهران من أجل مواجهة التفوق العسكري العراقي.

وبعد ذلك بثلاثين عاماً، قام ملالي طهران برد هذا الدين إلى بشار الأسد وزودوه بالقوات والإعانات التي كانت حاسمة للغاية في استعادة الأراضي التي سيطرت عليها قوات المعارضة. وبالنظر إلى تاريخ هذه العلاقة الثنائية بين دمشق وطهران، ليس من المفاجئ أن يهرول المستشارون الإيرانيون وعناصر المخابرات ووحدات النخبة من الحرس الثوري الإيراني لإنقاذ نظام بشار الأسد.

النفوذ الأمريكي

ويختلف الباحث بشدة مع المروجين لفكرة أن إعادة نشر القوات الأمريكية من سوريا سيقود إلى فقدان الولايات المتحدة لنفوذها في الشرق الأوسط، وذلك لعدة عوامل أولها أن سوريا لم تكن أبداً مهمة لمصالح الأمن القومي الأمريكي في المنطقة.

وتشمل المصالح الأمريكية ضمان عدم حدوث اضطرابات طويلة الأمد في إمدادات النفط، ومنع الإرهابيين من شن هجمات ضد الولايات المتحدة، وكذلك التأكد من عدم تحقيق أي قوة أخرى الهيمنة في المنطقة. وفي 2010 (قبل عام من اندلاع الحرب الأهلية) كانت سوريا تنتج 110 ألف برميل يومياً من النفط، ومن ثم فإن قدرتها التصديرية محدودة جداً ولا تشكل فرقاً كبيراً في الإمدادات العالمية للنفط بطريقة أو بأخرى.

ويورد الباحث أن العامل الثاني يتمثل في أن واشنطن لم تتعامل مع حرب سوريا بمبدأ الفوز أو الخسارة، وبخاصة لأن النفوذ الأمريكي كان قليلاً للغاية منذ البداية مقارنة مع إيران وروسيا وتركيا والعراق وحتى الأسد نفسه. ولا يرجع ذلك إلى غياب القيادة الأمريكية وإنما إلى قلة الاهتمام، إذ ليس لواشنطن مصلحة في كيفية حكم السوريين لأنفسهم داخلياً طالما أن الحكومة السورية (بغض النظر عن من يتولى قيادتها) لديها استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة بشأن التهديدات المتبادلة عند الضرورة، وهو ما حدث بين واشنطن ودمشق في السنوات التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وهكذا يستمر تحقيق أهداف الأمن القومي الأمريكي.

فائزون في سوريا
ويلفت الباحث إلى أن بقاء بشار الأسد في الحكم من عدمه يُعد أمراً غير مهم بالنسبة لحرية واشنطن في المناورة بالشرق الأوسط. وتعتبر الولايات المتحدة أكبر منتج للطاقة في العالم، وسوريا بالنسبة إليها هي مجرد بيدق صغير في رقعة شطرنج شرق أوسطية باتت أقل قيمة من ناحية الجغرافية السياسية في العالم الذي أصبحت فيه منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مركز المنافسة بين القوى العظمى. ولكن لا ينطبق الأمر نفسه على روسيا وإيران اللذين يعتمدان على بقاء الأسد شريكاً لدرجة أنهما كانا على استعداد لتكريس الكثير من الوقت والمال والجنود للحرب بالنيابة عنه.

ويلفت الباحث إلى أن هدف الأمن القومي الأمريكي في سوريا كان قاصراً منذ البداية على تدمير الخلافة المزعومة لداعش، وقد تم إنجاز المهمة في مايو (أيار) الماضي، وعندما استسلم الآلاف من الدواعش في قرية الباغوز الصغيرة بعد حصار استمر لعدة أشهر، حان الوقت بالنسبة إلى اللاعبين الرئيسيين في سوريا، ولا الولايات المتحدة، للتخلص من بقايا داعش.

ويختتم الباحث بأن الحرب الأهلية الوحشية في سوريا قد حولت البلاد إلى ساحة لحروب بالوكالة، وإذا كان هناك فائزون فإن الغنائم ضئيلة للغاية، ويجب أن تكون الدول التي لديها مصلحة أكبر في النتائج التي وصلت إليها البلاد مسؤولة عن التمزق السياسي الذي شهدته سوريا، والولايات المتحدة ليست من تلك الدول.