الروائي سنكلير لويس (أرشيف)
الروائي سنكلير لويس (أرشيف)
الإثنين 4 نوفمبر 2019 / 20:03

نموذج الطبقة الوسطى

تبقى رواية "بابت" درة سنكلير لويس وأيقونته. سنكلير لويس الذي ولد في 1885 وتوفي في 1951 واشتهر في ثلاثينات القرن الماضي، وقاده إدمانه الشراب إلى التهلكة المبكرة، والأرجح أنه حاز نوبل في 1930 على رائعته "بابت" التي سبق أن ترجمها إلى العربية الحارث النبهان.

براعة بابت في الكلام وفي الخطابة لا تعني ألبتة أنه فعلاً متميّز، إنه نموذج الطبقة الوسطى وأعيانها

هذه الرواية هي قمة سنكلير لويس الذي سبق أن رفض جائزة بوليتزر لأنها جاءته متأخرة أو اعتبرها متأخرة. كان سنكلير لويس روائي الثلاثينات التي كانت على شفا كارثة اقتصادية نرى تلاويحها في أدبه بل نراها في حياته، فالغريب أن لويس في حفل تسليم جائزة نوبل من يد ملك السويد اختفى ليُعثر عليه ثملاً منهاراً من السكر في حمام أغلق على نفسه بابه. هذه الحادثة ليست فقط من طرائف نوبل بل هي قمتها.

لعل سنكلير لويس نال جائزة نوبل على روايته "بابت" التي عُدت قمته، والرواية التي تنتمي إلى التيار الواقعي هي من قمم هذا التيار والرواية التي تجاوزت 350 صفحةً تحمل في عنوانها اسم جيورجي بابت الذي ليس فقط، بطلها، بل الرواية تدور بكليتها حوله.

إنها تتابعه خطوة بخطوة رغم أن بابت الذي يعمل في المقاولات والناجح في عمله كما هو ناجح في حياته، ليس له ما يتميز به أو ما يجعله متفوقاً، وعندما نعثر على ميزة فيه، نشعر أن هذا من صنيع الصدفة، وأنه هو نفسه لم يدرك ما يتميز به، فنحن نعلم أن بابت الرجل هو أنموذج مثالي للرجل العادي. نعلم نحن ويعلم هو حتى حين يكتشف الكلام لدرجة تجعل منه خطيباً بل خطيباً مفوهاً يُحسن أن يجتذب جمهوره، بل يحسن أن ضحكه ويسليه.

براعة بابت في الكلام وفي الخطابة لا تعني البتة أنه فعلاً متميّز، إنه نموذج الطبقة الوسطى وأعيانها، ومثل أفراد الطبقة الوسطى في زمنه، فإن بابت تقليدي، إنه محافظ ولا يقبل أي نزوة، بل هو عندما تقوده الصدفة إلى أن يلتقي بصديقه الأول بول، المتزوج من امرأة ساخطة صاخبة، يلتقي به في المطعم مع صديقة له يداعبها، وتداعبه.

لا يمنع شيء بابت من الذهاب إلى زوجة بول ويسرد لها ما حدث، وستكون هذه الحادثة بوابة لكارثة عائلية، فقد أدى الاختلال العائلي ببول إلى إطلاق الرصاص على زوجته الساخطة، ويفضي به هذا إلى السجن رافضاً، لشعوره بالذنب، أن يقابل صديقه بابت.

لكن الزوجة لم تمت، واستطاع بابت أن يؤمن محامياً ناجحاً فيُحكم على بول بالسجن ثلاث سنوات. لكن هذه الحادثة ستكون بوابة لأمور أخرى، فبابت وقد وجد نفسه يكافح من أجل تخفيض الحكم على بول، لم يكن حينها يعلم أن بول سيصبح مثله الأعلى، وأن حادثة محاولة قتل زوجته ستكون بالنسبة لبابت نموذجاً.

لقد تفكك بعد هذه الحادثة كل ميراثه من الطبقة الوسطى، وكل مراعاته للتقاليد وكل حرصه العائلي، فهو الذي يعمل في المقاولات لم يعد يمانع من أن يتقرب إلى زبوناته، وأن يعقد معهن علاقات حميمة تقرب في البداية من إحدى زبوناته واجتذبها اليه، ولم تكن هذه وحدها فقد تبعتها كثيرات.

لقد صار يمضي أوقاته، مع "رابطة الاشخاص الجيدين" وهي رابطة ليبرالية. كما أنه هو المحافظ القديم تحول أمام الجميع إلى انتماء ليبرالي، وتغيرت بطبيعة الحال نظرة أصحابه اليه. هو الذي كان بالنسبة للجميع مثال التقليدي، والمحافظ. هذا التغير لا يحدث مرة واحدة لكنه لا يحدث أيضاً من مقدمات كثيرة.

 لقد انحاز التقليدي القديم الى الانفلات وإلى "رابطة الأشخاص الجيدين" دون مقدمات. صادق العديد من النساء بسهولة كبيرة وخرج من الحضن العائلي دون ندم. إنها الطبقة الوسطى، تتغير ويتغير هو معها.