فلسطيني يُدلي بصوته في اقتراع سابق (أرشيف)
فلسطيني يُدلي بصوته في اقتراع سابق (أرشيف)
الإثنين 4 نوفمبر 2019 / 20:15

في فلسطين أيضاً... المستقلون قادمون

يبدو أن طرفي الانقسام الفلسطيني، اللذين يفرضان سلطتي الأمر الواقع في الضفة وغزة، وصلا إلى قناعة بضرورة التوافق على إجراء الانتخابات باعتبارها طوق النجاة الأخير، وربما الوحيد للسلطتين اللتين تجهدان في الحفاظ على السكون الراهن وإطالة أمد بقائهما في حكم محلي ناقص تحت الاحتلال.

الفلسطينيون ليسوا بعيدين عن هذا التوجه، وربما يكونون الأكثر يأساً من الكيانات والتشكيلات القائمة بحكم المحاصصة الفصائلية

لذا يتجاوز الطرفان خلافاتهما العميقة في كل الملفات ويتوافقان على إجراء الانتخابات، ويفاجئان الفلسطينيين والعرب والعالم، بهذا التوافق الغريب في هذا التوقيت الصعب.

لكن، ورغم التشكيك المشروع في الدوافع، تظل الانتخابات ممارسة ديمقراطية ينبغي ترسيخها في الداخل الفلسطيني، وينبغي احترام مخرجاتها، حتى لو جرت تحت حراب الاحتلال، وحتى لو شابتها أخطاء وتجاوزات، لأن النظام الفلسطيني جزء من النظام العربي، لذا فإن الاعتقاد بإمكانية إجراء انتخابات فلسطينية خالية من الشوائب، يعبر عن أمل وطموح، ولا يعبر عن واقع ممكن ومعاش.

في كل الأحوال، ومهما بلغ حجم التجاوز ستعبر نتائج الانتخابات الفلسطينية عن توجه الأغلبية ومدى قربها أو بعدها، عن النخب السياسية الفاعلة في الشارع الفلسطيني، في المسارين الوطني والإسلامي.

وستكشف مقدار تأثر الفلسطينيين بما جرى ويجري حولهم سواءً في العراق، أو في لبنان، أو في الجزائر، أين تخرج الجموع لإعلان رفضها للكيانات الطائفية، والحزبية القائمة، وتؤكد رفضها للفساد تحت عباءة الطائفة، أو تحت شعار الحزب، أو الحركة.

بعد سنوات طويلة من الاحتلال الأمريكي والتقاسم الوظيفي بين أمريكا وإيران في حكم العراق وإدارته، وبعد سنوات من حشر ملايين العراقيين في الصناديق الطائفية الضيقة، اختار أهل الرافدين شيعةً وسنةً، أن يتجاوزوا الفرز الطائفي، وأن يتمردوا على التصنيف المذهبي ليؤكدوا عراقيتهم التي تجيء أولاً وأخيراً.

وبعد سنوات طويلة من نظام المحاصصة الطائفية في لبنان، خرجت جموع اللبنانيين مسلمين، ومسيحيين إلى الشارع لتعلن بصوت لا رجفة فيه رفضها لهذه المحاصصة المعيبة التي نخرت في الجسد اللبناني، وقسمت أبناء البلد، وأنهت ريادة لبنان الثقافية والحضارية في المنطقة.

وكان رفض اللبنانيين شبيهاً برفض العراقيين حين استهدف العصبية الطائفية العمياء، والتخندق الحزبي الأعمى.

في الجزائر أيضاً، وبعد سنوات من هيمنة الحزب الحاكم على مقدرات البلاد والعباد، هب الجزائريون ليؤكدوا رفضهم لهذا القدر الأسود، وعزمهم على الخلاص من المعادلة البائسة التي تقدم الولاء الحزبي على الانتماء الوطني.

في هذه الدول وفي دول أخرى في المحيط العربي، اهتزت الثقة في الكيانات السياسية القائمة والتي كان البعض يظنها راسخة وباقية إلى الأبد، واكتشف العرب في ساحات التظاهر، والاعتصام قيمة حرية الفكر، وانفتاح العقل المتحرر من الحصار الطائفي، ومن المقيدات الحزبية، واختاروا مواجهة واقعهم البائس بقرار وطني مستقل، لا يخضع للهوى الحزبي أو الميل الطائفي.

وبرزت في عواصم عربية كثيرة رموز لهذا التوجه المستقل، وظهرت قيادات مستقلة جديدة لم يكن لها حضور ملموس في الحياة السياسية.

الفلسطينيون ليسوا بعيدين عن هذا التوجه، وربما يكونون الأكثر يأساً من الكيانات والتشكيلات القائمة بحكم المحاصصة الفصائلية.

وربما تحمل نتائج الانتخابات، إن جرت في هذه المرحلة، مفاجآت غير سارة لقيادات الحركات والفصائل العاملة في الساحة الفلسطينية، حين يمنح المقترعون أغلبيةً مريحةً للمرشحين المستقلين غير المنخرطين في الفصائل وغير المدرجين على قوائم مرشحي فتح، وحماس، وفصائل اليسار.

لا يريد قادة الحركتين التفكير في هذا الاحتمال، لكن من سبقوهم في العراق، ولبنان، والجزائر، وتونس، لم يتوقعوا أيضاً رفض الشارع لهم، وظلوا يكابرون حتى حلت ساعة الانهيار الشامل.

ما لم تحدث مفاجآت كبيرة، ستجري الانتخابات الفلسطينية قريباً، وستكون لنا وقفة أخرى مع نتائجها.