هبة اللبدي.(أرشيف)
هبة اللبدي.(أرشيف)
الجمعة 8 نوفمبر 2019 / 19:46

اللهم لا شماتة

أثناء كل ما تكبّدته اللبدي من بُصاق المحققين الإسرائيليين الوقحين عليها، فإن نصر الله والأسد لم يكلفا نفسيهما مجرد عناء الالتفات نحو معجبتهما

يُقال إن نبي الله أيوب قد سُئل "أي شيء من بلائك كان أشد عليك؟". فأجاب –عليه السلام- متجاوزاً العجز والمرض والفقر، "شماتة الأعداء".

لقد امتنعت عن الشماتة حينما اعتقلت السلطات الإسرائيلية هبة اللبدي، الشابة الأردنية ذات الأصول الفلسطينية، والمتفانية في التطبيل للطاغيتين حسن نصر الله وبشار الأسد. لم أرغب في أن يمسخني الغضب، فأصبح نسخة منقحة من هبة، وأترك المجال للكراهية والأحقاد بأن تضع عصابتها على عينيّ، وتجعلني أفرح بالتنكيل بالآخرين.

وعموماً، من أنا لأشمت بالعباد إن كانت الكارما قد نوت تعليمهم درساً ما؟
وتعوّذت بالله حتى من السخرية من تباكيها على ما تعرضت له في السجون الإسرائيلية، والذي يعد "لعب عيال" مقارنة بما يحدث في الأقبية السورية.

فمن أنا لأقرر أن استشهاد 38 فلسطينية من أصل 106 معتقلات تحت وطأة التعذيب والاغتصاب والإهمال الصحي في سجون الأسد ليس أسوأ مما قاسته اللبدي؟ فوفقاً لشهادتها –والتي لا تناسب ذوي القلوب الضعيفة- فإن هبة قد تعرّضت للشتم بأقذع الألفاظ من جانب المحققين الصهاينة، فقالوا عنّها "حقيرة، فاشلة، سافلة، صرصورة، حيوانة، حشرة، بشعة كثيراً.. كلام قاس جداً سمعته للمرة الأولى في حياتي".

كم ارتعبت من فكرة الانجراف خلف الشماتة والسخرية، فأبارك دونما قصد مني لجريمة أخرى من جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان "تعذيبه النفسي" –كما وصفته اللبدي- لا يرقى أبداً إلى التعذيب "السبيشل" الذي يدخره الجلادون في سجون الأسد للمعتقلين الفلسطينيين.

ولكني في نهاية المطاف مجرد إنسان، ولا بد وأن أتمرغ ببعض الخطيئة.
لاحظت بأنه أثناء كل ما تكبّدته اللبدي من بُصاق المحققين الإسرائيليين الوقحين عليها، فإن نصر الله والأسد لم يكلفا نفسيهما مجرد عناء الالتفات نحو معجبتهما، ناهيك عن أن "ينفثا" في وجهها بشيء من التأييد والدعم، وذلك على الرغم من أن اعتقالها التعسفي الجائر من جانب الصهاينة كان أساساً بتهمة تجنيد الفلسطينيين لحزب الله.

قد أتفهّم ألا يتدخل وثنا المقاومة في التحركات والاتصالات الدبلوماسية المكثفة لتحرير اللبدي، وقد أعذر ضربهما عرض الحائط بالقيم القومية التي تتبناها.

ولكن هل كان الأسد عاجزاً عن نسخ إحدى بيانات الأمم المتحدة عنه، ليعبر –ولو مجاملة- عن "قلقه" من أسرها؟ وهل نقص المرتزقة في الضاحية لئلا ينظم حزب الله وقفة احتجاجية من أجل اللبدي على غرار ما فعله "النشامى" في الأردن؟ ألم يكن من أضعف الإيمان أن يخرج السيد، ويؤكد تصريحات أبيها أحمد اللبدي بأن لا علاقة لها مطلقاً بالحزب، وبأنها لا يجب أن تدفع ثمن الاشتباهات غالياً من صحتها وحريتها؟

لم يهد محور المقاومة إلا خازوقاً مُحرجاً لمن هاموا بحبه، وعلى رأسهم الكاتب الذي قال، "لو كان لدينا حزب الله الأردني لما بقيت هبة اللبدي في سجون الاحتلال يوماً واحداً".
اللهم لا شماتة.