الرئيس البوليفي المستقيل إيفو موراليس
الرئيس البوليفي المستقيل إيفو موراليس
الإثنين 11 نوفمبر 2019 / 12:49

استقالة موراليس.. سقوط "الشيطان المناضل"

24 - إعداد: ريتا دبابنه

يعتبر الرئيس البوليفي إيفو موراليس، الذي أعلن استقالته أمس الأحد، إثر احتجاجات عنيفة عمت البلاد منذ أسابيع، من الشخصيات السياسية التي "كانت" تحظى باحترام كبير من قبل البوليفيين، إلا أن تزايد الأدلة على تزوير انتخابات 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشعلت غضب الشعب ضده.

ومع تصاعد الأزمة في البلاد بعد العنف والاحتجاجات، أعلن موراليس الأحد الاستقالة من منصبه، إلا أنه أثار مخاوف من زيادة الاضطرابات، عندما قال إنه كان "ضحية انقلاب" مدني، وأنه مهدد بالاعتقال.


"ثقة" الشعب
وصل موراليس المولود في 1959 في كنف عائلة فقيرة، إلى الحكم في يناير (كانون الثاني) 2006، بعد فوزه بحوالي 54 % من الأصوات، ليبقى في منصبه حتى يوم أمس، بعد أن فاز ثلاث مرات على التوالي بالانتخابات الرئاسية في 2006، و2010 و2014، ليدخل لائحة رؤساء دول القارة الأمريكية الذين قضوا أطول فترة في السلطة.

ولم يأت ذلك من فراغ، إذ كان الشعب البوليفي خاصةً فقراءه، يثق في قيادة الزعيم اليساري الذي تمكن في أول 8 أعوام من حكمه من تغيير الوجه الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، التي تعتبر أفقر دولة في أمريكا اللاتينية رغم ثرواتها النفطية.


ويعتبر موراليس المتحدر من الشعوب الأصلية الأمريكية، أول رئيس من السكان الأصليين البوليفيين يصل إلى السلطة، بعد إدواردو رودريغيز، الذي حكم بوليفيا أقل من عام بين يونيو (حزيران) ويناير (كانون الثاني) 2006.

موراليس "الشيطان"
وبفضل شعبية البداية، حصل موراليس على عدد من الألقاب التي أطلقها عليه أنصاره مثل المناضل ضد "الرأسمالية العالمية" و"الإمبريالية الأمريكية"، لكن في المقابل أطلقت عليه الولايات المتحدة لقب "الشيطان"، لأنه كان منذ بداياته، نقابياً وممثلاً لمزارعي نبتة "الكوكا" الأساسية لإنتاج الكوكايين المخدر، والذي تؤمن مداخيل مالية لمئات الآلاف من المزارعين والفقراء البوليفيين.

وصمد موراليس طيلة عهده، بقوة أمام الولايات المتحدة التي كانت تطالب بوضع حد لهذه الزراعة  المصدر الأول، لتجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية، واقتصاد الجريمة التي تهدد اقتصادات العالم.


وبين الرئاسة والاستقالة، قضى موراليس سنوات في المعترك السياسي البوليفي، وفي 1997، فاز إيفو موراليس بمقعد في البرلمان البوليفي، ليحوله إلى منبر للدفاع عن مزارعي "الكوكا"، ولانتقاد واشنطن وسياستها "الاستعمارية".

 واشتهر موراليس بقربه الإيديولوجي وتعاطفه مع الزعيم الكوبي فيدال كاسترو، والزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، العدوين اللدودين للولايات المتحدة، وهذا ما دفعه في 2002 إلى تأسيس حزب  "الحركة الاشتراكية" الذي حمله بعد 4 أعوام إلى قصر "لاباز" الرئاسي.

تراجع نسبة الفقر
منذ وصوله إلى الحكم، أمم موراليس شركات أجنبية في مجال النفط والطاقة والمناجم، ورفع أسعار المواد الأولية التي تصدرها بوليفيا إلى الخارج، ما سمح بتراجع ملموس في نسبة الفقر الشديد بين مواطنيه من 38% إلى 21% في 2012، وفق وكالة فرانس برس.


لكن، رغم النمو الاقتصادي، وانخفاض نسبة الفقر، لم ينجح موراليس في التخلص من مشاكل الفساد المستشري في بوليفيا، وفي مؤسسات الدولة بشكل خاص، وكان لتقاعسه في محاربة تجارة المخدرات، وتهريبها، دوره في تآكل شعبيته داخلياً وخارجياً خاصة في ظل الوعود التي قطعها على نفسه أمام الأسرة الدولية.

معاداة أرووبية أمريكية
ومنذ 2013، خاصة بعد حادثة الطائرة التي كانت تقله، ورفض دول أوروبية عدة تحليقها في أجوائها، بسبب الشكوك في وجود مسرب المعلومات الأمريكي الشهير إدوارد سنودن، على متنها، تردت العلاقات بين نظام موراليس وأوروبا، خاصةً فرنسا، وإسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، بشكل كبير.


الاحتجاجات الأخيرة
وكشفت التطورات الأخيرة في بوليفيا، تنامي السخط والغضب من سياسات الزعيم الهندي الشعبوي، ورغم رصيده من التأييد بين السكان الأصليين خاصةً، إلا أن ذلك لم يمنع  قطاعات واسعة من الشعب البوليفي من الاحتجاج ورفض نتائج الانتخابات الأخيرة، التي حامت حولها شبهات تزوير واسع لنتائجها.

وبعد إعلان موراليس بنفسه فوزه في الانتخابات بهامش كبير، على منافسه اليميني مرشح المعارضة كارلوس ميسا، وتأييد المحكمة العليا التي تراجعت عن إعلان النتائج الرسمية، انفجرت الاحتجاجات وتوسعت دائرتها، بانضمام قطاعات أخرى إليها، خاصةً من الشرطة، وبعض القطاعات من الجيش، إضافة إلى السياسيين والناشطين الحقوقيين، ومنظمات مدنية كثيرة أيضاً.


وبعد دعوات الاتحاد الأوروبي لموراليس بالتنحي، وتهديد الولايات المتحدة، والبرازيل، والأرجنتين، وكولومبيا، برفض الاعتراف به رئيساً، تصاعدت حدة التوتر في الشوارع أيضاً، وأظهرت لقطات مصورة اشتباكات في شوارع لاباز، وإضرام النار في بعض المباني.



وبعد استمرار العنف في الشوارع البوليفية وتوسعه ليشمل مدناً وأقاليم عدة، اضطر موراليس الذي رفض في البداية الحوار مع المعارضة، والتراجع عن تنظيم انتخابات جديدة، وعد الرئيس بالنظر في الحوار، وطلب تدخل البابا شخصياً لرعايتها، ثم تراجع أكثر بإعلان نيته الدعوة لانتخابات جديدة في فترة قريبة.

وبعد فشله في التهدئة، توجه موراليس إلى مواطنيه ببيان، أمس الأحد في وقت متأخر قال فيه: "سأستقيل، وسأرسل خطاب الاستقالة إلى الهيئة التشريعية"، مؤكداً أنه ملتزم باعتباره "رئيساً لكل البوليفيين بالسعي لتحقيق السلام"، لتدخل بوليفيا أزمة سياسية ودستورية خطيرة، بعد الحديث عن تهديد الرئيس المستقيل بالاعتقال والمحاكمة.

ويبدو أن الأزمة الجديدة لن تنتهي قريباً بعد علان استقالة موراليس، إذ أكد تقرير لمنظمة الدول الأمريكية أمس الأحد، ضرورة إلغاء انتخابات الشهر الماضي، بسبب "تلاعب واضح" بنظام التصويت ما يعني استحالة التأكد من صحة النتيجة.


وأضاف بيان المنظمة، أن "التلاعب بأنظمة الكمبيوتر، كان على نطاق يتطلب تحقيقاً تفصيلياً من الدولة في بوليفيا للوصول إلى أبعاده، وتحديد المسؤولين عن هذه القضية الخطيرة".