الإثنين 11 نوفمبر 2019 / 17:22

روسيا.. الملاذ الآمن لملايين الأسد وعائلته

24 - إعداد: ريتا دبابنه

عرضت منظمة غلوبال ويتنس المهتمة بكشف انتهاكات الأنظمة الدولية والفساد، تقريراً عن أعضاء بارزين من عائلة مخلوف، إحدى أكبر العائلات السورية وأكثرها نفوذاً، والمرتبطة بشكل كبير بالرئيس السوري بشار الأسد، ويملكون ما لا يقل عن 40 مليون دولار على شكل عقارات فاخرة من ناطحات سحاب وغيرها في العاصمة الروسية وسكو.

خضع أفراد عائلة مخلوف تقريباً لعقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لأدوارهم في عنف نظام الأسد ضد شعبه منذ 2011.


أدلة وشواهد
ويعرض تقرير "غلوبال ويتنس"، الذي نشر اليوم الإثنين، ممتلكات عائلة مخلوف بالأدلة والشواهد التي تثبت أن أموال النظام هُربت من سوريا طوال فترة الحرب، ورغم أن المعلومات المتعلقة بأصول النظام وتمويله شحيحة جداً بسبب الرعب من جهاز الأسد داخل سوريا وخارجها.

ويبين التحقيق المفصل أيضاً أن القروض التي حصلوا عليها أيضاً ربما تكون مدخلاً لغسل الأموال من سوريا إلى موسكو، ما يفتح المجال لوقوع هذه الأموال تحت طائلة سلطات قضائية أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي، أين تسري عقوبات على أفراد العائلة.

حافظ مخلوف
ويملك الحصة الأكبر من كعكة مشتريات العقارات في موسكو، التي كشفها التقرير، حافظ مخلوف، وهو أحد أبناء خال بشار الأسد.

ويشير التقرير إلى أن حافظ مُتهم بالإشراف على قتل وتعذيب المعتقلين والمحتجين، ووضعت معظم مشتريات حافظ تحت صيغة "قرض لبناني" غامضة تجعلها أقرب لغسل الأموال، وربما بغرض نقل الأموال إلى خارج روسيا.



كما اشترى خمسة آخرون من عائلة مخلوف، بينهم زوجة أغنى رجل في سوريا رامي مخلوف، عقارات في منطقة ناطحات السحاب الفاخرة بمركز موسكو الدولي للأعمال، والمعروفة أيضاً باسم "موسكو سيتي"، أين توجد مكاتب الشركات الروسية العملاقة، والبنوك، والدوائر الحكومية.

وحسب "غلوبال ويتنس"، امتلكت عائلة مخلوف ما لا يقل عن 40 ملبون دولار من العقارات في اثنتين من ناطحات سحاب موسكو،على مراحل مختلفةبين ديسمبر (كانون الأول) 2013 ويونيو (حزيران) 2019.

دعم روسي
لطالما كانت روسيا حليفاً رئيسياً لعائلة الأسد طيلة حكمها الذي يقرب من 50 عاماً، ناهيك عن تدخلها في سوريا في 2015، وقلب الموازين لصالح النظام، بالغارات الجوية والهجمات البرية على المعارضة.

وظهرت تقارير في 2012 و2013 تكشف دعم مصارف روسية للنظام السوري، بعد فرض عقوبات غربية وتجميد تأشيرات دخول أفراد العائلة الأكثر سطوة إلى أوروبا، وتجميد حساباتهم المصرفية في الاتحاد الأوروبي، وسويسرا.

ويبدو الآن أن النظام السوري كان يستخدم موسكو ملاذاً آمناً وبديلاً، وربما منفذاً محتملاً لتحريك أموال مكاسب حصل عليها بطرق ملتوية في النظام المالي الأوسع.


العقل المدبر
وكشف التحقيق أن حافظ مخلوف، الذي اشترى عقارات بـ 22.3 مليون دولار أمريكي في أبراج "مدينة العواصم"، كان رئيساً لفرع الأربعين في دمشق، التابع لمديرية المخابرات العامة سيئة السمعة في سوريا، حتى أواخر 2014، وهي الوكالة السورية المكلّفة بقمع المعارضة الداخلية، والتي عُرفت شعبياً باسم جهاز أمن الدولة.

وبما أن دمشق هي العاصمة، فإن المنصب مهم بالفعل، ولكن يبدو أن حافظ كان يملك من السلطة قدراً أكبر بكثير مما يوحي به هذا اللقب الرسمي.

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مخلوف في 2011، لتورطه في "العنف ضد المتظاهرين"، الذي وقع معظمه خارج العاصمة. ثم توسعت العقوبات السابقة المفروضة عليه في الولايات المتحدة في 2011، لتشمل مشاركته في قتل متظاهرين في درعا بجنوب سوريا، أول منطقة شهدت احتجاجات في سوريا.


قتل وتعذيب
وتشير الشهادات التي جمعتها المجموعات السورية لحقوق الإنسان عن فرع الأربعين، وشهادات جمعها صحافيون حول استخدام أجهزة المخابرات السورية للتعذيب الممنهج، إلى احتمال تورط حافظ في الإشراف على احتجاز آلاف السوريين وإساءة معاملتهم، وحتى الشروع في القتل في بعض الحالات.

إضافة لذلك، شهد عدد من المنشقين عن النظام، حسب ما أورد كتاب للصحافي سام داغر في العام الجاري، بأن حافظ كان عضواً متشدداً في الدائرة المقربة من بشار الأسد، وأشد مستشاريه نفوذاً.

ووفقاً للشهادة، كان حافظ ثاني اثنين طالبا بسحق المظاهرات في 2011. ويتضمن كتاب داغر تصريحات شهود شاهدوا حافظ يطلق النار على المدنيين في دوما، ويأمر بإطلاق النار على مئات المحتجين السلميين في درعا، وحمص.



أموال إلى موسكو
ويضيف تقرير "غلوبال ويتنس"، أنه عند شراء المساحة المكتبية في موسكو في 2016، تلقت شركات حافظ مخلوف الروسية قروضاً مرهونة بنحو 11 رهناً عقارياً ضماناً، وتخفي البنية المعقدة لتلك القروض صلة حافظ بالأموال، وهذه سمة من سمات غسل الأموال.

وحسب التقرير، فإن من الوارد أن الآلية صُممت لتأمين تدفق الأموال بين روسيا وسوريا، دون إظهار أي رابط بحافظ، ما يزيد من إمكانية أن تكون الغاية النهائية منها نقل الأموال إلى خارج روسيا.

قُدمت القروض لشركات حافظ الروسية من شركه لبنانية تدعي "نيلام أوف شور"، التي تُصنف على "خارجية" في لبنان، في حين أن الشركات اللبنانية الخارجية لا تخفي مالكيها مثل الشركات الخارجية في ما يسمى بالولايات القضائية التي تلتزم السرية مثل جزر فيرجن البريطانية، فإن هذه الشركات تستفيد من السرية المصرفية المعززة. والمبلغ الدقيق الذي أقرضته "نيلام أوف شور" غير معروف.


علاقات مخلوف
ويلفت التقرير إلى أن مخلوف يتمتع بعلاقات وثيقة مع الأفراد الذين يديرون ويملكون شركة "نيلام". اثنان من مديري ومساهمي شركة نيلام هما هيثم عباس وحسن شريف، وهما أخوا محمد عباس وعمار شريف، رجلا أعمال سوريان بارزان فرضت عليهما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات لدعمهما نظام الأسد.

وهنالك صلة قرابة مباشرة بين حافظ والأخوين عباس، وعوقب محمد عباس على وجه التحديد لقيامه بدور الواجهة لشقيق حافظ، رامي مخلوف، ولاستخدامه شركات خارجية لبنانية للقيام بذلك. وعلاوة على ذلك، علمت "غلوبال ويتنس" أن عمار شريف متزوج بشقيقة زوجة رامي، رزان عثمان، فعمار إذًا عديل رامي.

وكما هي الحال بالنسبة إلى أفراد عائلة مخلوف، رُفض الطعن الذي وجهه عمار شريف ضد العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي.


شركات متفرعة
في 2018، بعد عامين من شراء العقارات، عمل حافظ، وهو المساهم الوحيد في شركاته العقارية الثلاث المسجلة في روسيا، على نقل أسهمه إلى شركة "بريانا أوف شور"، وهي شركة لبنانية مطابقة تماماً لشركة "نيلام أوف شور" من حيث المساهمين والمديرين. وتحتوي السجلات الروسية لشركات العقارات المسجلة في روسيا على تفاصيل حول شركة "بريانا" لأنها مساهمة، وتظهر هذه السجلات أن شركة "بريانا" تُصرّح بأن بلدها التجاري هو سوريا.

بالنتيجة، يقول التقرير، إن قروض حافظ بين شركتين، "نيلام" و"بريانا" اللتين يملكهما ويديرهما الأشخاص نفسهم، وجميعهم على ما يبدو جزءاً من شبكة حافظ. ومع ذلك، فإن كلتا الشركتين لا تبدوان ذات صلة بحافظ.

ويمكن استخدام اتفاقات القروض، وأي اتفاقات لاحقة لإعادة الرهن بين شركتين من المفترض أنهما مستقلتان وخاصتان، ومن غير المعلوم ارتباطهما بحافظ، كذريعة لدى البنوك لنقل أموال من سوريا ولبنان إلى روسيا أو العكس.

وعلى الرغم من ذلك، فإن حافظ لن يحتاج، على ما يبدو، إلى إخفاء هويته للقيام بأعمال تجارية في روسيا، فحسب "غلوبال ويتنس"، لا يخضع أفراد عائلة مخلوف لعقوبات في روسيا، وهناك أدلة على أن حافظ عاش وعمل في روسيا بحرية لعدة سنوات.


رفاهية
ويبدو أن حافظ وزوجته قضيا وقتاً في موسكو منذ أغسطس (آب) 2013 على الأقل، عندما تم إصدار رخص قيادة روسية لهما. كما اشتريا عقاراً من ثلاث غرف ليس بعيداً عن ناطحات السحاب في موسكو في سبتمبر (أيلول) 2015. وسجلا سيارتي بورش كايين ومرسيدس GL350 بذلك العنوان، كما أظهرت وثائق المُلكية وقواعد البيانات المرورية المسربة المكتشفة من قبل "غلوبال ويتنس"، وهو ما يعني أنهما سكنا في الشقة.

ونظرًا لقدرة عائلة مخلوف على العمل بحرية في روسيا، فإن استخدام بنية قروض معقدة لحجب أصل المال يبدو غير ضروري إذا كان الغرض من الأموال هو ببساطة البقاء في روسيا، وهو ما يوحي بأن الأموال في الحقيقة تتحرك عبر روسيا نحو مناطق أخرى.


البنوك الروسية
قدم أكبر بنك في روسيا "سبيربانك"، خدمات مصرفية لواحدة على الأقل من الشركات الروسية التي كانت مملوكه سابقاً لحافظ مخلوف والتي تملكها الآن "بريانا أوف شور"، كما تُظهر قاعدة بيانات روسية للشركات، وفقاً للتقرير.

وبما أن القروض من "نيلام" إلى شركات حافظ العقارية المسجلة في روسيا كانت دولية أي قادمة إلى روسيا من لبنان، فمن الممكن تحويلها بالدولار الأمريكي، وهي العملة الدولية المستخدمة عادة. وإذا كانت هذه هي الحال، فإن الأموال كان يمكن أن تمر عبر نظام الدفع السريع الخاص ببنك سبيربانك، والذي يمكن، وفقاً لخبير مكافحة غسل الأموال غراهام بارّو، أن يخاطر بخرق بنود العقوبات الأمريكية المفروضة على مخلوف.


ومن المفترض أن تكون الطبيعة الملتوية للقروض المأخوذة على الممتلكات أثارت شكوك بنك سبيربانك، ولكن ليس من الواضح ما هي إجراءات التقييم التي نفذت على القروض.

دعم ممنهج
وتشكل تعاملات "سبيربانك" مع عائلة مخلوف جزءاً من منهج أوسع تتبعه البنوك الروسية الكبرى لمساعدة النظام السوري. في عامي 2012 و2013، ذكرت كل من وكالة رويترز وصحيفة وول ستريت جورنال، أن نظام الأسد، يملك حسابات في "غازبروبانك" وهو من أكبر البنوك الروسية، والذي، مثل سبيربانك، لديه علاقات تواصل مصرفي دولية واسعة.

على الرغم من أن سبيربانك في روسيا ليس ملزماً بالامتثال لقوانين العقوبات التي يقرها الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فإن للبنك فروعاً في المراكز المالية الرئيسية في أوروبا وأمريكا، بما في ذلك لندن، وفرانكفورت، ونيويورك. ولدى "سبيربانك" أيضاً العشرات من علاقات المعاملات المصرفية، وحسابات المقاصة باليورو والدولار الأمريكي.


وتُعرض البنوك الأخرى المتعاملة مع "سبيربانك" التزاماتها للخطر نتيجة للأعمال التجارية التي تربط بنك "سبيربانك" والشركات ذات الصلة بعائلة مخلوف، وذلك يجب أيضاً أن يكون نقطة تسترعي انتباه الجهات الرقابية في الولايات القضائية التي يتواجد فيها "سبيربانك" ويخضع فيها أفراد عائلة مخلوف لعقوبات.

لم يرد المصرف على طلب التعليق. لكن، في تعليقات سابقة لوسائل الإعلام، قال مدير بنك سبيربانك، إن "الاحترافية والشفافية والنزاهة هي القيم الأساسية للبنك، وإن البنك ليس لديه أي تسامح تجاه من يخالفون ذلك".

عقارات أخرى
يكشف تقرير "غلوبال ويتنس"، أن عدداً كبيراً من أفراد عائلة مخلوف تمكن أيضاً من شراء عقارات في ناطحات السحاب بموسكو بين 2013 و2019.

اشترت رزان عثمان، زوجه شقيق حافظ، رامي مخلوف، وابنة السفير السوري في رومانيا، أحد المكاتب في ديسمبر (كانون الأول) 2013 في أبراج "مدينه العواصم"، وفقاً لسجلات المُلكية الروسية. وتخضع رزان لعقوبات الاتحاد الأوروبي منذ 2012 بسبب زواجها برامي.


ووضع الاتحاد الأوروبي رامي تحت العقوبات في 2011 لأنه "الممول الرئيسي" للأسد و"لدعمه للنظام، وهو ما يمكّنه من تسليط العنف ضد المتظاهرين". 

ويملك رامي شركة "سيريتل"، شركة الاتصالات الوطنية السورية، فضلاً عن شركات قابضة كبرى  في مجالات النفط، والغاز، والطيران، وأطلق عليه لقب "ملك سوريا"، بسبب نفوذه الهائل على السياسة والاقتصاد في البلاد.

أبناء رامي
أبناء رامي البالغون، الذين لا تسري عليهم عقوبات، يتباهون علناً بثرواتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فيقدمون لمحات نادرة عن أنماط حياتهم المترفةـ وينشرون على إنستغرام صور سياراتهم الفاخرة وطائراتهم الخاصة، وعطلاتهم في أوروبا وموسكو وسوريا.

في أغسطس (آب) الفائت، أمضى ابنا رامي نحو شهر محتفلين في جزيرة ميكونوس باليونان، وفي فرنسا، فيما كان الأسد وروسيا يمطران إدلب بالقنابل.


بالإضافة إلى عقارات حافظ وزوجة رامي، استخدم إياد وإيهاب مخلوف، التوأمان وأصغر إخوة مخلوف الأربعة، شركة مسجلة في روسيا لشراء نصف طابق في برج بموسكو في فبراير (شباط) 2019، بـ9.5 ملايين دولار. واشترى الرجلان عقاراً واحداً باسميهما، ومكانين لوقوف السيارات في "مدينة العواصم" في يونيو (حزيران) 2017.

إياد ضابط في الخدمة برتبة مقدم في مديرية المخابرات العامة. وبصفته ضابطاً، وفُرضت عليه عقوبات من الاتحاد الأوروبي في 2011 بسبب "العنف ضد السكان المدنيين".

الأخ التوأم لإياد، إيهاب، هو نائب رئيس شركة "سيريتل"، وفرضت عليه عقوبات الاتحاد الأوروبي في 2011، لأنه "يدعم النظام مباشرة" ويموله، إذ تحول الشركة "جزءاً كبيراً من أرباحها إلى الحكومة السورية"، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الأخوين التوأم في 2017.

مصدر الأموال
وعن مصادر الأموال الطائلة، يقول تقرير "غلوبال ويتنس"، إن مصدرها غير معروف، وقد يكون من ثروات عائلة مخلوف الخاصة، التي تراكمت على مدى سنواتمنذ عهد والد بشار، حافظ الأسد.

وهنالك احتمال آخر، وهو أن لأموال التي نهبت من سوريا من قبل أعضاء آخرين في نظام الأسد، ينقلها ويخفيها في الخارج أبناء مخلوف. محمد مخلوف، الأب المسن للأشقاء مخلوف، وخال بشار الأسد، كان معروفاً على نطاق واسع بلعب دور المصرفي لدى الأسد، وتبعاً للعقوبات الأمريكية والأوروبية التي تتهمهم بنقل الأموال نيابةً عن النظام، يبدو أن أبناءه ورثوا جزءاً من ذلك الدور.


انتهاكات جسيمة
وإذا كانت الأموال من ثروة المخلوف الخاصة، أو بالنيابة عن النظام، فليس هناك شك في أن الأموال مرتبطة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سوريا.

ويختتم تقرير "غلوبال ويتس" بالتذكير بالجرائم التي تسببت فيها هذه العائلة، وجعلت أفرادها متواطئين في أسوأ الفظائع التي حدثت في القرن الحادي والعشرين.