الكاتب الألماني غونتر غراس.(أرشيف)
الكاتب الألماني غونتر غراس.(أرشيف)
الثلاثاء 12 نوفمبر 2019 / 19:59

النازية البداية والنهاية

كانت هذه بداية الحرب، كنا على مشارفها وبالطبع لم تبق السفينة سياحية وستتحول بسرعة إلى باخرة حربية، وستكون هذه مناسبة لرواية التاريخ البحري للحرب العالمية الثانية

"في خطو السرطان" عنوان ثقيل لرواية من أعمال غونتر غراس. لا بد أن وقعه في لغة أخرى، الألمانية مثلاً، سيكون أفضل. وربما كان حقاً خفيفاً وجميلاً، لكن رواية غونترغراس التي كتبت بالطبع بعد رحيل النازية لا تنفك تماماً عنها. إنها من ذيول النازية ومن عواقبها. تبدأ الرواية مع نهوض النازية، حين كانت النازية دعوة ونظراً وفناً. لا تزال في بناء الأمة الألمانية التي هي لا تشمل ألمانيا فقط بل تضيف إليها النمسا وسويسرا وسواهما، ولها في هذه البلدان "الألمانية" فروع ومشاريع. كانت حتى هنا النازية السياحية التي ابتكرت سفينة قمم التي ستغرق أثناء الحرب بعد أن أنقذت سفينة انكليزية قبيل الحرب. ورغم أن قيام هذه السفينة وغرقها لم يمحوا من التاريخ وذاكرته سفينة التيتانيك فإن، سفينة غوسفولد بقيت أثراً كبيراً من آثار النازية. لقد أنشئت مثالاً للاتحاد النازي وبشارة بقيامه لكنها أيضاً كانت تكراراً ألمانياً لمأساة التيتانيك، ثم أنها كانت البداية لنازية والمنذرة بنهايتها.

فقد زارها دافيد فرانكفورتر الذي لم يكن له أب معلوم، الا أنه اختار لنفسه أن يكون اسمه دافيد وأن يكون يهودياً. زار دافيد الباخرة واستقبله منشئها وفي قاعة الاستقبال نفذ دافيد في منشئ السفينة الإعدام. قتله بدم بارد ثأر يهودي رغم أن دافيد ليس ذا أب معروف وواضح.

كانت هذه بداية الحرب، كنا على مشارفها وبالطبع لم تبق السفينة سياحية وستتحول بسرعة إلى باخرة حربية، وستكون هذه مناسبة لرواية التاريخ البحري للحرب العالمية الثانية وسينتج عن ذلك غرق الباخرة وهي تحمل أطفالاً. إننا على المقلب البحري للحرب العالمية الثانية، وسنجتاز مرافئ وبحار الدول المنخرطة في الحرب. وإذا كانت الرواية بدأت بمقتل الزعيم النازي الذي بنى السفينة فإنما بعد الحرب لن يقول أقل أثراً من بدايتها. لقد بدأت بثأر يهودي، هذا الثأر لن يزول مع نهاية الحرب. راوية الرواية وهو أيضاً غير معروف الأب وينتمي إلى جدته أكثر مما ينتمي إلى أمه وهو أيضاً يعتبر نفسه يهودياً.


يمكننا هنا أن نعتبر أن بدايات الحرب العالمية الثانية لا تختلف كثيراً عن نهاياتها، بل إن المطابقة بين البدايات والنهايات هي تقريباً حيلة الرواية. لقد انتهت الحرب كما نعلم بهزيمة النازية، لكن الحرب كانت تشمل، في جملة ما تشمل، كل الخليط الغربي. ففي البلدان الألمانية كانت هناك أيضاً تبعية لروسيا شيوعية وللشيوعية بشكل عام، كما كان هناك أيضاً شتات لا صلة له بالحرب من وقائع ومسائل. كانت هناك أيضاً رواية الراوية وأمه وجدته، وهي رواية ستحملنا إلى نهاية الحرب أو ستضعنا في نهايتها، وستكون النهاية صنو البداية ومقابلها، فإذا كانت الرواية بدأت بمقتل الزعيم النازي في عملية ثأر يهودي، فإن القصة في نهاية الرواية لم تقف هنا. فمرة ثانية سيجيء اليهودي الخفي إلى لقاء شريكه في الإترنت والشراكة في الإنترنت، تعني التراسل، هذا التراسل يتم بخفاء وصمت، لكن النتيجة ونحن بعد الحرب لا تختلف عن نهايتها. مرة ثانية يقتل اليهودي المزعوم خصمه المزعوم ايضاً. الحرب تستمر بعد أن ألقت مراسيها واليهودي المزعوم لا يزال له ثأره.