زعيما الجهاد زياد النخالة يمين وحماس إسماعيل هنية يسار الصورة (أرشيف)
زعيما الجهاد زياد النخالة يمين وحماس إسماعيل هنية يسار الصورة (أرشيف)
الخميس 14 نوفمبر 2019 / 19:33

"حماس" في مقاعد الاحتياط

الخطة هي استهداف منظمة الجهاد الاسلامي والاستفراد بها عبر سلسلة من الاغتيالات المدروسة لقادة مفصليين في الميدان، بحيث يتم عزل القيادة عن القاعدة وتشويش امكانيات الرد.

يطلقون في وزارة الحرب الإسرائيلية على سياسة الاغتيال مصطلح "الإحباط المركز"، بموازاة ذلك توجيه ضربات نوعية قدر الإمكان، لشبكة مواقعها على الأرض بهدف إضعافها والتقليل من فعاليتها، وتوسيع الضربة لتصل حي "المزة" في دمشق لتوضيح الرسالة سياسياً، ومنحها بعداً إقليمياً عبر إلحاقها بالمواجهة مع ايران.

خطة تقليدية تماماً ولكنها تعتمد هنا على الشرخ الذي يمكن أن تحدثه في وحدة القوى العاملة على الأرض، "غرفة العمليات المشتركة"، وتحييد حماس، بما يضمن عدم التدحرج نحو حرب شاملة من جهة، وتوظيف "الإنجاز"، اغتيال بهاء أبو العطا في غزة وأكرم العجوري في دمشق، لصالح نتانياهو في مواجهته مع غانتس.

ثمة استثمار خبيث ولا يخلو من دهاء لأزمة حماس المتفاقمة وأوهامها الفائضة عن الامكانيات، مالياً وشعبياً وفي مستوى النفوذ على الأرض والتأثير في توازنات الإقليم. فقد سبق عملية الاغتيال تحريك موضوع تبادل الأسرى الذي تعول عليه حماس لتحسين صورتها واسترداد شعبيتها المفقودة، كما أن العمادي سفير قطر في إسرائيل ومندوبها في غزة أبلغ قادة حماس أخيراً بتوقف الدعم القطري مع نهاية هذا العام، وقد لا تتكرر عملية نقل حقائب الأموال عبر الحاجز الاسرائيلي إيريز، وفي رام الله يلوح رئيس السلطة بتوقيع مرسوم الانتخابات، رغم احتمالات إجرائها الضعيفة والتي استنفدت حماس وسائل تعطيلها، أما على الأرض فثمة القوة المتنامية للجهاد الاسلامي ذراع ايران وممثلة "الممانعة" في القطاع، وهي "الهوية" التي ظهرت بقوة بعد غياب عبدالله شلح، وتسلم زياد النخالة مهماته أميناً عاماً للمنظمة.

داخل هذا الحصار المربع الأضلاع تجد ميليشيا الإخوان المسلمين نفسها، على مقاعد الاحتياط إلى جانب السلطة في رام الله، ودون "بلاغة المقاومة".

ربما هذا يفسر تلكؤ حماس في الدخول بثقلها المؤثر في المواجهة بين الجهاد وجيش الاحتلال، وهو أمر كان يزداد صعوبة مع كل غارة إسرائيلية أو قذيفة تطلقها مجموعات الجهاد، والفصائل التي التحقت بالمواجهة، بتردد، نحو مستوطنات الغلاف أو في العمق الإسرائيلي، أو تصيد آلياته ب "الكورنيت".

تكمن الصعوبة قبل كل شيء في تدبيج التبريرات المتناقضة التي يمكن أن تسوقها حركة قادت انقلاباً دموياً، يحبون في حماس إطلاق مصطلح الحسم العسكري على تلك المذبحة التي حدثت في صيف 2007 في غزة، طردت على إثرها السلطة الفلسطينية وحركة فتح، من قطاع غزة، واستولت حماس على الحكم ولا تزال، يصعب تبرير عدم مشاركتها في الدفاع عن القطاع الذي تحكمه تحت شعار المقاومة، وتقمع تحركات الناس واحتجاجاتهم ومطالبهم المعيشية تحت نفس الشعار، وتساهم بحصتها في تعطيل المصالحة، وتحويل الانقسام إلى واقع بسبب تمسكها بـ "المقاومة".

وسيكون أكثر صعوبة بالنسبة لقواعدها من المقاتلين، على وجه الخصوص، تفهم مبررات المستوى السياسي، وهم يرون رفاقهم يقاتلون ويقتلون بينما هم يعدّون الصواريخ والغارات ويحدسون بأنواع الأسلحة والطائرات، وأسماء الأجساد التي تصل غرف الطوارئ في المشافي، أو تلك التي تذهب مباشرةً للثلاجات.

المحاولات البائسة لإعلام الإخوان المسلمين لتعويم حقيقة قرار عدم المشاركة، مثل الحديث عن "التنسيق المشترك" و "تبادل الأدوار" الى آخر هذه الأحجيات، بدده زياد النخالة أمين عام منظمة الجهاد في حوار طويل ومباشر مع فضائية "الميادين" الموالية لايران، الذي دفع حماس خارج المشهد تماماً في سابقة تضيء على زاوية دقيقة من المسكوت عنه في غزة.

في إسرائيل استبق نتانياهو الجميع وأعلن انتصاره على الجهاد، ولكن المعارضة تحدثت عن "حماقة وارتجال وانتهازية سياسية" تسببت في تعطيل الحياة في البلاد، لثلاثة أيام دون الحصول على أي نتائج حقيقية، وكشفت هشاشة الجبهة الداخلية في إسرائيل، ويبدو أن الأمر سيذهب أبعد من ذلك.

في النهاية هذه مواجهة بين إيران ونيتنياهو، وأياً كانت نتائجها فقد منحت إيران موقعاً أقوى ستحصده الجهاد لاحقاً على حساب الإخوان المسلمين وتحكمهم في القطاع، ويمكن حينها قراءة المشهد على النحو التالي: "خسر الإخوان المسلمون المواجهة بين الجهاد ونيتنياهو في خريف 2019".