الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الجمعة 15 نوفمبر 2019 / 12:06

أردوغان وأمريكا..بين المهزلة والنفاق

أشار رئيس مجلس تعزيز التفاهم العربي-البريطاني كريس دويل إلى أنّ السياسات الأوروبية ثم الأمريكية كانت تهدف إلى إبقاء تركيا وروسيا منفصلتين وحتى عدوانيتين تجاه بعضهما البعض، وقد خيضت حروب من أجل تحقيق الهدف بدءاً من القرن السابع عشر. لكنه تساءل في صحيفة "ذي اراب نيوز" السعودية عما إذا كان ذلك على وشك التغير مع مشاهدة أوروبا وأمريكا هذين البلدين يتقاربان أكثر من أي وقت مضى.

طالما أنّ التهديد لم يكن يطال تركيا كان أردوغان مسروراً بالتصرف بلا أخلاقية مع قضية التطرف الإسلاموي

 ويرى دويل أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يراقب المشهد الحالي من مقره الريفي في سوتشي بحس من الرضا الهادئ. خلال السنوات الأربع الأخيرة، أصبح الوضع على الجبهة الجنوبية الغربية واعداً لدرجة أنّ بوتين نفسه يعترف، ولو سراً، بأنه كان يصعب أن تتطور المسائل بطريقة أفضل مما هي عليه حالياً. إنّ أساس هذا الاصطفاف الجديد هو علاقة بوتين الشخصية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يمكن أن يكون هو نفسه مبتسماً من قصره ذي الألف غرفة والذي تحتضنه العاصمة التركية.

تحول كبير في أربع سنوات
بدت الأمور مختلفة بشكل كبير منذ أربع سنوات تحديداً. حينها، أسقطت مقاتلة أف-16 تركية مقاتلة روسية من طراز سوخوي-24. لم يبدِ رد الفعل الغاضب لبوتين احتمال تطور صداقة بين الطرفين بل احتمالاً أكبر بإعلان حرب. تم نشر منظومة أس-400 في قاعدة حميميم وانتقل بوتين سريعاً لتقييد الواردات من تركيا. لكن الحرب لم تعقب تلك الحادثة لأنّ بوتين اتبع سياسة بارعة. رمم أردوغان العلاقة لأنه أدرك أنه كان مضطراً لذلك لكن أيضاً لأنه علم أن لديهما أجندة مشتركة. من خلال مسار أستانا، أنشأت روسيا وتركيا وإيران آلية استبعدت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وسمحت لنفسها كدول تملك قوات على الأرض بتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ بما يناسب مصالحها وحدها.

تهديد أردوغان
أضاف دويل أن اجتياح تركيا لشمال سوريا الشهر الماضي انتهى باتفاق آخر مع روسيا يتضمن تسيير دوريات مشتركة بالقرب من الحدود. ووافقت روسيا على تقييد نفوذ المجموعات الكردية المسلحة بينما هندست موسكو عودة "سيطرة" حكومة دمشق على ثلث البلاد التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية. لم تكسب واشنطن أي شيء تقريباً من الاتفاق. شعر الأكراد بالخيانة لكن لم يستطيعوا مواجهة التحالف التركي-الروسي من دون دعم أمريكي.

يمكن أن يندفع أردوغان للاقتراب أكثر من بوتين بفعل التوترات مع الاتحاد الأوروبي الذي فرض عقوبات على تركيا بسبب التنقيب في سواحل قبرص. رد الرئيس التركي مهدداً بأنه سيطلق سراح 1200 سجين داعشي صوب أوروبا. وقد جرت محاولات لترحيل سبعة مواطنين ألمان إلى بلادهم إضافة إلى عدد من المواطنين الدنماركيين والفرنسيين والآيرلنديين. وقال إردوغان: "هذه البوابات ستُفتح وأعضاء داعش هؤلاء الذين بدأ إرسالهم إليكم سيستمر إرسالهم. عندها سيكون بإمكانكم الاهتمام بمشكلكتم الخاصة".

تركيا.. بين المهزلة والنفاق
تم تلخيص المهزلة بأفضل طريقة حين رحّلت تركيا مقاتلاً سابقاً من داعش وتُرك على هواه في المنطقة العازلة بين الحدود التركية واليونانية. ترفض كلتا الدولتين استقباله. وأضاف دويل أن النفاق المطلق برز في غض تركيا النظر عن المقاتلين المتطرفين الذين عبروا حدودها باتجاه سوريا طوال سنوات للانضمام إلى داعش أو القاعدة. لم تغير تركيا سياستها إلا بعدما ارتد داعش عليها سنة 2015. طالما أنّ التهديد لم يكن يطال تركيا كان أردوغان مسروراً بالتصرف بلا أخلاقية مع قضية التطرف الإسلاموي. ويوجه البعض أصابع الاتهام إلى تركيا متسائلين عن كيفية قتل أبو بكر البغدادي على بعد خمسة كيلومترات عن الحدود التركية مع احتمال عدم علم أنقرة بمكانه على الرغم من نفوذها في إدلب.

قد يكون أردوغان على وشك استعادة حيله القديمة إزاء مقاتلي داعش. يعترف دويل بأنّ على الاتحاد الأوروبي استعادة مواطنيه وتحمل عبء لا مقاتلي داعش وحسب بل أيضاً عبء اللاجئين السوريين. لكنه يرفض استخدام المتطرفين أو اللاجئين كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية مشيراً إلى أنّ ذلك ليس شيم رجل دولة حقيقي.

التذبذب لن يستمر طويلاً
ت
تحقق رؤية بوتين ببطء. فعدم رضا أردوغان عن أوروبا وعلاقته المتذبذبة مع البيت الأبيض يفيدان روسيا فقط. كذلك، يصبح الرئيس التركي تسلطياً مثل بوتين نفسه. إنّ إبعاد تركيا عن حلف شمال الأطلسي وإدخالها في حلف عسكري مع روسيا سيكون تتويجاً للمجد بالنسبة إلى بوتين. وعبر موافقتها على شراء منظومة أس-400، تواجه تركيا العقوبات والطرد من برنامج أف-35. في هذه الأثناء، يبدو الرئيس ترامب معتقداً أنّ التهديدات والعقوبات ستكون كافية لإبقاء تركيا منضبطة، لكنّ هذا الأمر بعيد من أن يكون مؤكداً.

لكنّ دويل يدعو دول الشرق الأوسط إلى الحذر. إذا كان البيت الأبيض متذبذباً في السياسة فالأمر لن يكون كذلك دوماً. ينظر بوتين وأردوغان إلى المنطقة من خلال المنظار الضيق لتعزيز نفسيهما والمصالح الذاتية. بوتين أكثر من قادر على نبذ الأسد في سوريا لصالح بديل مدعوم من روسيا إذا ناسبه. ويمكن أن ينقلب أردوغان على أي طرف لا يدعم كرهه للحقوق والطموحات الكردية. علاوة على ذلك، لا تستطيع روسيا أو تركيا تحويل الدعم المادي أو الاستثمارات الكبيرة التي تستطيع الصين أو الولايات المتّحدة تحويلها. وكتب دويل أخيراً أنه إذا أتى يوم توجّب فيه على تركيا الاختيار بين الولايات المتحدة وروسيا، فسيكون عليها التفكير مرتين قبل التخلي عن واشنطن.