القيادي في الجهاد الإسلامي بهاء أبوالعطا الذي قتل في غارة إسرائيلية (أرشيف)
القيادي في الجهاد الإسلامي بهاء أبوالعطا الذي قتل في غارة إسرائيلية (أرشيف)
الأحد 17 نوفمبر 2019 / 18:42

رسالتان مألوفتان وثالثة جديدة...!

شن الإسرائيليون عملية عسكرية مزدوجة، قبل أيام، وأغاروا بالطائرات على دمشق وغزة في آن، في محاولة لاغتيال قائدين عسكريين في حركة الجهاد الإسلامي. فشلوا في الأولى، وفي الثانية تمكنوا من قتل القائد العسكري وزوجته.

بقدر ما يتعلّق الأمر بحماس فإن تصرّفها، في المجابهة الأخيرة، بطريقة تتناقض مع دعايتها المعلنة، يزيد من تآكل رصيدها السياسي والأخلاقي، خاصة في قطاع غزة الذي يدفع مواطنوه من دمائهم ثمن مجابهات متلاحقة

وكما في كل عملية من هذا النوع كان ثمة أكثر من رسالة وُجهت إلى أكثر من عنوان. فالغارة على هدف في دمشق كانت رسالة للنظام السوري، للقول إن في وسع إسرائيل ضرب النظام وقتما وحيثما شاءت.

وفي سياق عمليات الإغارة المتكررة على أهداف في سوريا تبدو الرسالة روتينية تماماً. ومن المُستبعد أن يكون الإسرائيليون قد توقعوا ردة فعل من جانب النظام تتجاوز حدود الإدانة اللفظية، مع "الاحتفاظ بحق الرد".

وبالقدر نفسه كانت الرسالة موجهةً للنظام الإيراني، للقول إن إسرائيل لن تسمح للنظام بالعمل عبر حلفاء في غزة، أو في أي مكان آخر، وهي قادرة على الوصول إليهم.

وهذه الرسالة روتينية، أيضاً، وتندرج في إطار قواعد الاشتباك التي التزم بها الطرفان الإسرائيلي والإيراني حتى الآن. وعلى الأرجح توقع الإسرائيليون أن ينحصر الرد في جبهة غزة.

بيد أن الرسالة الأهم، التي لم تكن روتينية وانطوت، إلى حد ما، على قدر من المجازفة المحسوبة، كانت موجهة إلى حماس، صاحبة سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.

ففي السنوات الأخيرة، توقف الإسرائيليون عن اغتيال شخصيات قيادية. وجاء التوقف، على الأرجح، في جزء من التفاهمات التي نجمت عن مجابهات عسكرية سابقة.

لذا، لم تتمثل المجازفة الإسرائيلية في حقيقة أن العودة إلى سياسة الاغتيالات ستؤدي إلى اندلاع مجابهة عسكرية، بل تمثلت في الرهان على خوض مجابهة محدودة، والاستفراد بحركة الجهاد.

وما أن ذاع نبأ الاغتيال، حتى برزت في السيناريوهات التي رسمها أغلب المحللين العسكريين والسياسيين في إسرائيل، احتمالات قوية من نوع محدودية العملية، ووقوف حماس على الحياد، وانتظار الوساطة المصرية بعد أيام قليلة من التراشق بالنيران.

وفي السياق نفسه، برز الكلام، أيضاً، عن ضغوط تمارسها قطر على حماس لإرغامها على رفض المشاركة في القتال، وعن التهديد بوقف المساعدات المالية، التي يقدمها القطريون في حقائب، بموافقة إسرائيل، وعن طريقها، إذا لم تلتزام حماس بالحياد.

كان من الممكن فشل الرهان، نتيجة أخطاء غير متوقعة من هذا الطرف أو ذاك، والفشل في تفسير النوايا، أو وقوع خسائر فادحة يصعب تحملها دون رد كبير لحفظ ماء الوجه. وهذا كله لم يحدث. ولأن هذا كله لم يحدث، ولأن المجابهة وقعت ضمن الحدود المتوقعة، لم يتردد بعض المحللين الإسرائيليين في القول، إن للمجابهة الأخيرة دلالة استراتيجية تختلف عن سابقاتها.

فالمجابهة الأخيرة ليست أكثر من حلقة في سلسلة طويلة، بمعنى أن ثمة مجابهات لاحقة، وضرورية من وقت إلى آخر، ولكن إرغام حماس على الالتزام بقواعد جديدة للاشتباك يعني، في نظر بعض الإسرائيليين، بداية تعاونها الإيجابي مع إسرائيل، لأن لديها ما تخشى عليه، ويعني أيضاً، إمكانية التمتع بفترات أطول من "الهدوء"، واحتواء ما ينجم عن سوء الفهم بين الجانبين، وقطع الطريق على جماعات مسلّحة في غزة تريد تبديد "الهدوء".

فلا يحتاج الأمر إلى أكثر من رشقة صواريخ بدائية الصنع على مستوطنات قريبة، لإحراج حماس، واستفزاز إسرائيل.

وبقدر ما يتعلق الأمر بحماس فإن تصرفها، في المجابهة الأخيرة، بطريقة تتناقض مع دعايتها المعلنة، يزيد من تآكل رصيدها السياسي والأخلاقي، خاصةً في قطاع غزة الذي يدفع مواطنوه من دمائهم ثمن مجابهات متلاحقة، لم تعد مفهومة، وبلا ضوء يلوح في الأفق.

ولعل هذا ما يجد ترجمة في شائعات، لا نعرف مدى صحتها، سرت على مواقع التواصل الاجتماعي، عن توتر علاقتها بحركة الجهاد، أو حتى طرد ممثليها من مجلس عزاء القائد العسكري للجهاد.

وكما في كل شيء آخر، فلن يطول التحقق من صدقية ما يدخل اليوم في باب السيناريو المُحتمل. لذا، إذا جاز دمغ الرسالتين الأولى والثانية بالمألوفة، فإن الثالثة هي ما يستحق أن يبقى تحت ضوء ساطع، وعدسة مكبرة.