الإثنين 18 نوفمبر 2019 / 15:15

الإمارات: افتتاح معرض "أرض المرح" للفنانة باني عبيدي

افتتحت مؤسسة الشارقة للفنون ضمن برنامجها لخريف 2019، معرض "أرض المرح" للفنانة باني عبيدي، الذي عملت على تقييمه رئيسة المؤسسة، الشيخة حور بنت سلطان القاسمي والمساعدة في متحف جروبيوس باو في برلين، ناتاشا جينوالا قيّمة ويقام في بيت السركال في ساحة الفنون في الفترة من 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وحتى 12 يناير (كانون الثاني) 2020.

ويقدم المعرض الأعمال التي أنتجتها عبيدي في الفيديو والفوتوغراف والصوت والتركيب على مدى عقدين من الزمن، مضافاً إليها تكليفين جديدين من مؤسسة الشارقة للفنون، والتي تطرح في مجملها أسئلة حول الذاكرة الشخصية والوطنية لبلدها باكستان بشكل خاص، وتاريخ جنوب آسيا بشكلٍ عام.

وتغوص عبيدي في الفصول المغيّبة من أحداث الماضي، وتسترشد بهوامش الذاكرة الشعبية بدلاً من البحث في السرديات التاريخية الكبرى، ليصبح الارتجال إحدى طرق الخوض في الماضي القريب بأعمال فيديو مثل «فرقة شان بايب تتعلم النشيد الوطني الأميركي» (2004)، حيث جاءت فكرة هذا العمل بعد مكالمة هاتفية في العام 2003 بين عبيدي ووالدتها، التي روت لها سماعها صوت طائرات أميركية تخترق المجال الجوي الباكستاني في طريقها إلى أفغانستان، وبعد عودتها من شيكاغو إلى باكستان بفترة وجيزة، كلفت الفنانة فرقة تعزف على آلات النفخ الموسيقية في لاهور بتعلم النشيد الوطني الأميركي من شريط كاسيت أكل الدهر عليه وشرب.

وكما يظهر في هذا الفيديو ثنائي القناة، تستمع الفرقة إلى التسجيل، تقدّمه وتأخره، وتحاول تقليد اللحن، في تجربة تتخللها المصادفة والفشل والنشاز، ويظهر على الشاشة الأخرى مشاهد من الحياة اليومية متداخلة مع ملابس الفرقة المزركشة، حيث يتتبع العمل بقايا الاستعمار المتجذرة في الثقافة المحلية وممارساتها، ويسلط الضوء على الدور المتناقض الذي تلعبه الولايات المتحدة والشقاق الذي يعيث فساداً في باكستان، وليقتصر دور فرق آلات النفخ الحديثة، والتي تعود جذورها إلى الاستعراضات العسكرية الاستعمارية، على العزف في الأعراس والمواكب.

"نصب تذكاري للكلمات الضائعة"
في حين تكتشف عبيدي في عملها "نصب تذكاري للكلمات الضائعة" (2016)، من خلال الأغاني الشعبية والشعر والأرشيف التاريخي للرسائل، فصلاً خفياً من تاريخ الحرب، حيث خدم أكثر من مليون جندي هندي التاج البريطاني في الحرب العالمية الأولى، وتمّ مسحهم من الذاكرة الجماعية، ليتم استحضارهم في هذا التركيب الصوتي عبر تبادلهم الرسائل الحميمة مع عائلاتهم في الوطن، بما في ذلك مشاعر حب مهجور، والفقر الذي يعانون منه تحت خدمة النظام الاستعماري، والصراع مع الموت بعيداً عن الوطن.

وتقدم الفنانة في أعمالها أبطالاً ينهمكون في تمثيل الحياة اليومية بإطار مسرحي، وغالباً ما تمنح الامتياز إلى نقيض البطل المخالف للأعراف والمساعي المبتذلة المستمدة من المشاهد الحياتية اليومية من منطقة جنوب آسيا. وتؤدي شخصيات الفنانة المتنوعة نقداً للسلطة المركزية من جهة، وتخوض في سطوة الطموح الفردي من جهة ثانية، سواء من خلال «كاتب الخطاب» (2011)، وهو كتاب رسوم متحركة يعرض يوماً من حياة كاتب خطابات سياسية متقاعد، أو من خلال "حالة غير متوقعة" (2015)، وهو فيديو يعرض لشاب من الطبقة العاملة يستغرق في التدريب في منزله لكسر رقم قياسي عالمي غريب.

ويلعب الموروث الاجتماعي والروح الثائرة لمدينة كراتشي دوراً محورياً في حياة باني عبيدي وممارساتها الفنية، فقد تشكلَ تاريخ هذه المدينة الساحلية عبر التبادل التجاري والتنوع الديني والثقافي والتقسيم، لذا فإنها تؤرخ من خلال أعمال استمرت لعقدين من الزمن تحولات المناطق الحضرية والحياة العامة على الساحل، حيث يشكل عملها التركيبي "أرض المرح" المكون من الصور والفيديو نصباً تذكارياً لمدينة كراتشي، وهي مدينة تكافح في سبيل بقائها في مواجهة القوى المحافظة التي تهدد نسيجها الكزموبوليتاني.

حواجز أمنية
أما في عمل "حواجز أمنية من الألف إلى الياء" (2008-2018)، نرى عبيدي تصنف مجموعة من الحواجز الأمنية التي احتوتها كراتشي خلال العقد الماضي، وتوثق الازدياد التدريجي لهياكل التحكم والإقصاء. حيث تكشف الفنانة مستعينة بـ 26 مطبوعة مصورة أنماط هذه الحواجز المستخدمة في نقاط التفتيش والمطارات والسفارات ومساكن الدبلوماسيين والمجمعات السكنية التي يقطنها علية القوم.

يموثل العمل مخططاً للارتياب والعسكرة اللذان يسودان المدن الكبيرة، لا سيما في خضم الحرب على الإرهاب التي تشنها الولايات المتحدة وغزوها لأفغانستان في عام 2001، والذي ألقى بظلاله على حياة الناس في العديد من المدن الباكستانية، فمنذ عام 2008، أصبحت التفجيرات سمة واضحة في لاهور رداً على العمليات العسكرية والتحالف الباكستاني مع الولايات المتحدة، وتعكس الحواجز الأمنية التفتت والتشرذم المتزايد في المجتمع المدني، جاعلة من التجهيزات الأمنية المحلية انعكاساً للحواجز الجيوسياسية وشبه قارة منقسمة يطغى الخوف والارتياب على سكانها رغم تاريخهم المشترك.