لبنانيون يتظاهرون احتجاجاً على الأوضاع المالية (أرشيف)
لبنانيون يتظاهرون احتجاجاً على الأوضاع المالية (أرشيف)
الإثنين 18 نوفمبر 2019 / 19:36

انتفاضة لبنان

لم يكد مجلس النواب اللبناني يُنتخب ولا تزال الوزارة التي نتجت عنه غارقة في مناقشة الموازنة "الوزارة في بلد في حجم لبنان تصل الى 30 وزارة"، ولا تزال هناك دعوة الى مكافحة الفساد. كلام كثير عن هذا الفساد من نواب ووزراء ليسوا أبرياء منه.

دخل الى السياسة جيل جديد ليست له لغة ولا أيديولوجيا واستراتيجيات الأجيال الأقدم التي لا تزال بمقدار حية وفاعلة

في هذه اللحظة نزل الناس إلى الشارع ولا زالوا يعسكرون فيه. دفق جماهيري نزل إلى الشارع في غمار سياسة ملأى بالصراع والالتباس والتناقض. لم تكن بالتأكيد اللحظة المناسبة، ولا الأطروحة المناسبة، فالاشتباك السياسي والطائفي المضطرم سيزداد اضطراماً مع الوقت، وليست هذه ساعة الانتفاضة، لكن الحراك مع ذلك اتخذ شكل الانتفاضة، وصارت كلمة ثورة كافية أو مؤاتية حتى حين تهدر الجماهير بها.

الأرجح أننا لسنا بصدد ثورة، وحين يصرخ المتجمهرون، "الشعب يريد" جرياً على ما جرى في تونس، ومصر فإننا نعرف أن الانقسامات داخل الشارع لن تزول بطرفة عين.

أما لماذا نزل الناس بمئات الألوف إلى الشارع وهم لا يجيدون من يتوجهون إليه، فالدولة من قمة الهرم إلى الحضيض عاجزة عن الإصلاح وعن الممارسة الدستورية، وبالطبع هناك حكم العائلات حكم سلالي، يضع السلطة في أيدي قليلة العدد ويخلق طبقة حاكمة. وبالطبع هذه الطبقة الحاكمة تلتهي بنفسها وحاشيتها وقراباتها، عاجزة هكذا عن أن تكون دولة، إلا بالاسم.

نزل الناس إلى الشارع، ولفرط ما ابتهجوا بسلطة الشارع فقد أدى ذلك إلى انفصال عن الحكم، وإلى شقاق مع الحكام الذين لم يمض ِسوى أشهر على تتويجهم وعلى رفعهم من قبل الشعب، إلى الهيئات الحاكمة.

الآن لا نصدق أن هؤلاء الذين سمعناهم، ورأيناهم على التلفزيون يقذفون الحكام الذين انتخبوهم منذ أشهر، وبالطبع تكونت قشرات اجتماعية نابذة لهم، ولم يمض على دعمها لهم سوى أشهر معدودة. الجمهور الذي نزل الى الشارع بدا وكأنه يغص بنفسه، فهنا وهناك يشتمون بلا وازع الحكام شتائم مقذعة، وإهانات جارحة كأنهم لم ينتخبوهم ببطاقات حزبية ودينية.

الآن يمزقون صورهم، ويلطخونها كأنهم بذلك يهينون أنفسهم، إذ يبدو أن ما تراكم من زيف قد انفجر اخيراً وهاهم يحرقون الشوارع، ويحطمون الواجهات كأنهم بذلك يعتذرون عن تأييدهم السابق، ويتنكرون له.

لقد دخل إلى السياسة جيل جديد ليست له لغة، ولا أيديولوجيا واستراتيجيات الأجيال الأقدم التي لا تزال بمقدار حية وفاعلة.

ينبغي أن نقرأ برومير ماركس ليساعدنا على فهم هذه الظاهرة، ففي برومير ماركس يبدو أن وضع لويس بونابارت على رأس الهرم جعله يلجأ إلى الشارع، أن يلجأ الى فُتات اجتماعي هو بحد ذاته منفصل عن نفسه وطوائفه وطبقاته ليبدو طحيناً اجتماعياً.

الدولة العربية نشأت من الحروب ومن الانتهاك ومن الحضيض الاجتماعي والتبعية. لقد وجدت نفسها دولة دون بطاقة اجتماعية وحتى طبقية، وحين أسمع اللبنانيين يشكون من الفقر والجوع أرى أن هناك بعض التحايل في ذلك، بل يخطر لي أن هذا من آثار الحرب الأهلية الأخيرة.

إنه عنف هذه الحرب وآفاتها الأخلاقية. يتراءى لي أن عنف هذه الشارات الاجتماعية هو بقية عنف الحرب. وأسأل نفسي هل يكفي الكلام عن الفقر، والجوع حتى تولد قضية أم أن لهذه الحقبة لصوصها ومقاتليها.