الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 / 13:04

تسوية عادلة ممكنة بين مصر وإثيوبيا

قد تؤدي محاولات إثيوبيا المستمرة لبناء سد فوق نهر النيل لإشعال حرب مع مصر، لذا عرض عماد حرب، مدير قسم الأبحاث والتحليلات لدى المركز العربي في واشنطن، رؤيته لمنع وقوع مثل هذا النزاع الخطير.

يمكن للمجتمع الدولي- بواسطة خبرات تقنية أممية والبنك الدولي، طرح خطة تشمل إقناع إثيوبيا بتلبية مطلب مصر بالحصول على 40 مليار متر مكعب سنوياً

 ونال رئيس الوزراء الإثيوبي، في أكتوبر(تشرين الأول) جائزة نوبل للسلام لجهوده في بدء مفاوضات السلام مع أرتيريا.

لكن، وفق كاتب المقال في مجلة "فورين بوليسي" ما زال بلده، إثيوبيا، في نزاع كبير آخر يهدد استقرار المنطقة. إنه نزاع حول مياه نهر النيل، وخاصة خطط إثيوبيا لبناء سد النهضة فوق روافد النيل الأزرق. وترى مصر أن السد يشكل تهديداً لوجودها، فيما تقول إثيوبيا أن المشروع أمر أساسي لتنميتها، وتعهدت بمواصلة بناء السد مهما تكن العواقب.

تسوية عادلة
ويشير الكاتب إلى أن مصر وإثيوبيا أقوى دولتين أفريقيتين وأكثرهما تعداداً للسكان؛ وأي مواجهة بينهما تمثل تهديداً خطيراً للسلام، ولهذا السبب ينبغي على المجتمع الدولي العمل على التوصل إلى تسوية عادلة.

وأعربت كلا الدولتين عن تفضيلهما التفاوض من أجل تسوية طويلة الأمد للنزاع، ولكن لم يكن ذلك سهلاً. ولم تثمر جولة من المفاوضات في بداية أكتوبر(تشرين الأول) في التوصل إلى تسوية، وجاءت بعد عدة جولات تمت خلال السنوات الأخيرة.
  
وتتهم مصر إثيوبيا بتجاهل هواجس طرحها مسؤولوها بشأن تهديد لأمنها المائي. وتصر إثيوبيا على تسوية قضايا معلقة قبل اكتمال بناء السد.

وفي الوقت نفسه، سعت دولتان- روسيا والولايات المتحدة – للبحث عن وسائل للتوسط في النزاع. واجتمع آبي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش القمة الروسية – الأفريقية في سوتشي الروسية، في أواخر أكتوبر(تشرين الأول)، واتفقا فقط على السماح للجنة تقنية بمواصلة عملها. وتعهد مضيفهما – فلاديمير بوتين، بالمساعدة على التواصل إلى تسوية.

وساطة
ويشير الكاتب لدعوة الولايات المتحدة مصر وإثيوبيا والسودان للتباحث في واشنطن. وعقدت الدول الثلاث اجتماعاً في 6 نوفمبر( تشرين الثاني)، حضره أيضاً وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، ورئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس.

واتفق وزراء خارجية الدول الثلاث على عقد أربعة اجتماعات تقنية حول السد. وأشار الوزراء إلى أنهم يأملون في التوصل إلى اتفاق بحلول 15 يناير(كانون الثاني)، ولكن إن لم يتحقق ذلك، سيحيل وزراء المياه في الدول الثلاث القضية إلى رؤسائهم للبحث عن وساطة خارجية أخرى. ومن الصعب معرفة ما إذا كان تدخل واشنطن يساعد في التوصل إلى اتفاق قبل الموعد النهائي الجديد، ما يعطي أهمية حقيقية للمساعدة الأمريكية في هذا الشأن.

أهم مصدر طبيعي

ولا جدال في أن نهر النيل أهم مصدر طبيعي لما يقل عن عشر دول تحاذي رافديه الأبيض والأزرق، وهي بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا وأوغندا. ولكن النزاع الحالي يجري فقط بين مصر وإثيوبيا والسودان، ويتعلق باستخدام إثيوبيا للنيل الأزرق، أكبر رافد، ينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا ويمر بالسودان ثم ينضم إلى النيل الأبيض عند الخرطوم، في طريقه شمالاً نحو مصر وإلى البحر الأبيض.

وحتى تاريخه، ثمة اتفاقيتان، وقعتا في 1929 و1959، تتعلقان باستخدام مياه النيل شمال إثيوبيا. ووقعت المملكة المتحدة مع حكومة مصر الملكية على معاهدة عام 1929، لتوزيع حقوق المياه حول حوض النيل. ووفق تلك المعاهدة، ضمنت مصر والسودان حصة سنوية بمقدار 48 و4 مليار متر مكعب على التوالي، من أصل ما يقدر بعائد سنوي يبلغ 84 مليار متر مكعب من مياه النيل. لكن اتفاقية 1959 رفعت حصة مصر من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب، وحصة السودان إلى 18.5 مليار، وتتقاسم باقي المياه الدول الأخرى المطلة على النهر.

نتيجة متوقعة
ويرى الكاتب أن لا جدال في أن الاتفاقيتين زرعتا بذور النزاع الحالي. فقد كان ينبغي بمن وضعوا تلك الاتفاقيات أن يستشفوا بأن إثيوبيا، وفي الواقع جميع الدول المتاخمة للنهر، عدا عن مصر والسودان، ستجد صعوبات في الالتزام ببنود الاتفاقيتين وتوفير حاجات سكانها.

وحسب الكاتب، لم يكن يفترض أن يتفاجأ العالم بإعلان إثيوبيا، في 2011، عند خططها لبناء سد هيدروليكي بكلفة 5 مليار دولار على النيل الأزرق بالقرب الحدود الإثيوبية – السودانية. وسوف يستوعب خزان سد النهضة ما يصل إلى 67 مليار متر مكعب.
وكان من المتوقع أن يحصل خلاف شديد بين مصر وإثيوبيا ما يهدد باحتمال قيام مصر بعمل عسكري لمعالجة ما تعتبره أهم تهديد قومي. فقد كان النيل منذ قديم الزمان شريان حياة مصر.

لكن يرى الكاتب أن المطلوب لحل النزاع تخفيف التصعيد ووساطة دولية. ويمكن للمجتمع الدولي- بواسطة خبرات تقنية أممية والبنك الدولي، طرح خطة تشمل إقناع إثيوبيا بتلبية مطلب مصر بالحصول على 40 مليار متر مكعب سنوياً، مع المساعدة في تطوير وسائل ري بديلة، وبناء محطات تحلية عائمة على البحر الأحمر تلبي حاجة إثيوبيا من الكهرباء، وقد تنقل عبر أريتيريا والصومال وكينيا.