مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيف)
مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيف)
الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 / 20:06

دولة وبانتستونات

يقارب تقليب خيارات السلطة الفلسطينية وحزبها الحاكم العبث في كثير من الأحيان، خاصةً إذا تعلق الأمر بتابوهات وبقرات مقدسة مثل حل الدولتين الذي استقر في غرفة الإنعاش، بعد ما يزيد عن أربعة عقود من محاولات تنميط التفكير السياسي الفلسطيني للتعايش معه.

الاستمرار في استخدام مصطلح حل الدولتين الفاقد لعكازيه وروافعه الديماغوجية باعتباره هدفاً استراتيجياً والبحث عن صيغ لاعادة ترميمه لا يخفيان حقيقة ـنه كان منذ البداية خياراً كسيحاً تمخض عن فقدان البوصلة وضخمته أوهام انتصار جزئي

آخر مقاربات الخيار المأزوم ما قام به عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ناصر القدوة حين رد على الداعين إلى حلّ الدولة الواحدة بأن بديل حل الدولتين هو شرعنة المستوطنات وقيام إسرائيل الكبرى.

سياق المقاربة ينطوي على محاولة لتخويف نخب فلسطينية من تجاوز الخيار، إلى خيارات أخرى دون الانتباه لتحويل ما يجري التعامل معه باعتباره هدفاً استراتيجياً إلى مخرج مفترض من منزلق يهدد بتصفية القضية الفلسطينية.

تحويل الهدف الاستراتيجي إلى مخرج بعض مظاهر المراوحة حول ما عبئ عليه الشارع، ولم يعد الاستمرار في تسويقه بالطرق التقليدية مجدياً بعد الفشل في بناء دولة أُعلنت على الورق في ثمانينات القرن الماضي، وانتهت إلى سلطة في مهب الريح، ولا يخلو الأمر من أمثلة أخرى على صعوبة التخلي عما أخفق الوصول إليه حيث أعلن كبير المفاوضين صائب عريقات قبل أعوام، نهاية حل الدولتين ودعا الرئيس محمود عباس إلى مصارحة شعبه بهذه الحقيقة، لكنه عاد إلى تأكيده في مؤتمر "جي ستريت" الأخير باعتباره حلاً وحيداً.

الكشف عن مدى تراجع حضور الهدف الاستراتيجي وهشاشة يقينيته، يستدعي تتبع بعض المحطات والمراحل الحاضنة لظهوره، والممهدة لتعدد استخداماته والشكوك في إمكانية تحقيقه على الأرض.

خلال دفاعه عن الخيار الذي تحول إلى هدف استراتيجي، قال ياسر عرفات مقولته الشهيرة في المجلس الوطني الثاني عشر: "كرخانة وأنا عايزها" وتعهد صلاح خلف، باستخدام السلاح ضد الجبهة الشعبية إذا نفذت عمليات عسكرية، وتحدث هاني الحسن بعد سنوات عن جهود مضنية بذلتها القيادة الفلسطينية لـ "ترويض" الشعب الفلسطيني للقبول بالدولة المستقلة هدفاً استراتيجياً لنضاله، وعلى ضوء اتفاق أوسلو بدت الدولة أقرب إلى الهدف المرواغ حيث حرص عرفات على السجادة الحمراء ومطار العريش على إرفاق مصطلح "الوطنية" غير الموجود في الاتفاقات بمصطلح "السلطة" لتكريس مظاهر دولة غير موجودة على أرض الواقع.

تحولات المراحل وسلسلة الانهيارات التي ساهم فيها أداء القيادة الفلسطينية يساعدان بشكل أو باخر على تفسير الاستخدامات الجديدة لخيار الدولتين وحضوره الملتبس في الخطاب الرسمي الفلسطيني، فمن غير الممكن مقارنة مناخات حرب 73 وإفرازاتها، بأجواء حفل توقيع اتفاق أوسلو، أو المساعي الأمريكية الهادفة لتمرير صفقة القرن.

الاستمرار في استخدام مصطلح حل الدولتين الفاقد لعكازيه وروافعه الديماغوجية باعتباره هدفاً استراتيجياً، والبحث عن صيغ لاعادة ترميمه لا يخفيان حقيقة أنه كان منذ البداية خياراً كسيحاً تمخض عن فقدان البوصلة، وضخمته أوهام انتصار جزئي انتهى بمعاهدة كامب ديفيد، وظلت مساعي الوصول إليه قاصرة عن وقف الخطوات الإسرائيلية لفرض الأمر الواقع، لكن السلطة وحزبها يتجاهلان مفاعيل مسيرة الانكفاءات ويتجنبان الاعتراف بسقوط الخيار والتسليم بأن بديل الدولة الواحدة بات دولة وبانتستونات .