لبنانيون ولبنانيات من مختلف الأعمار يتظاهرون في بيروت (أرشيف)
لبنانيون ولبنانيات من مختلف الأعمار يتظاهرون في بيروت (أرشيف)
الأربعاء 20 نوفمبر 2019 / 19:17

شباب لبنان يتصدرون الحراك الشعبي ويريدون مستقبلاً أفضل في بلدهم

تحلم الفتاة اليافعة مريم صيداني بمستقبل أفضل في بلدها لبنان، على غرار آلاف الطلاب الذين تصدروا التظاهرات في الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في البلاد، مطالبين بحقهم في حياة كريمة.

وتشارك مريم 16 عاماً، في التظاهرات التي يشهدها لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضد الطبقة السياسية، التي تتهمها بتجاهل مستقبل أبناء جيلها، والعجز عن حل الأزمات ووضع حدّ لهجرة الشباب إلى الخارج.



وأثناء مشاركتها في تظاهرة في وسط بيروت الأسبوع الماضي، قالت الشابة لوكالة فرانس برس: "لا أحد يهتم بمستقبلي"، مضيفةً "أخاف على مستقبلي في ظل رجعيين لا يفكرون إلا في مصالحهم وجيوبهم".

وبعد الأسابيع الأولى من التظاهرات الشعبية غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انضم التلاميذ والطلاب إلى الشارع.

وأمسكوا بزمام المبادرة لأيام عدة، عبر رفضهم الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم والانضمام إلى المتظاهرين في كافة المناطق اللبنانية. وتظاهر هؤلاء، وغالبيتهم لم يكمل العشرين من العمر، بزيهم المدرسي، حاملين حقائبهم على ظهورهم. ورفعوا شعارات تنادي بمستقبل أفضل، بينها "ندرس من أجل مستقبل ليس لنا"، و"نخسر نهار مدرسة أفضل من أن نخسر مستقبلنا" و"فوتنا دروسنا لنلقنكم درساً".


وأوضحت مريم "في العالم كله، تجد الطلاب يطالبون بعدالة بيئية، لكن هنا لا بحر لدينا نذهب إليه" في دلالة على البحر الملوث أساساً، والذي تنتشر على شاطئه منتجعات خاصة، تتعدى على الأملاك العامة.

وترغب صيداني في دراسة العلوم السياسية في الجامعة، والسبب بسيط حسب قولها: "أن أصلح بلدي".

وفي إحدى التظاهرات قرب مقر الحكومة في وسط بيروت، تمايل طلاب على أنغام موسيقى الراب. وحمل أحدهم لافتة كبيرة كتب عليها "أنتم على درجة من السوء جعلتني أنسى مدى سوء الموسم الثامن" من مسلسل "لعبة العروش" ذائع الصيت.

على غرار آلاف المتظاهرين، يطالب التلاميذ والطلاب بإصلاح البنى التحتية المترهلة، وبمياه نظيفة وكهرباء، وبحل أزمة النفايات، فضلاً عن محاسبة الفاسدين في السلطة.

إلا أن مطلبهم الأهم الحصول على وظائف فور تخرجهم في بلد يُقدر البنك الدولي نسبة البطالة في صفوف الشباب بأكثر من30%.

وقالت تينا 17 عاماً، طالبة في المرحلة الثانوية لفرانس برس: "نريد أن ندرس هنا إلى جانب أهلنا، وأن نجد وظائف دون واسطة".



وأضافت الشابة التي رسمت علماً لبنانياً على وجنتها، "نريد أن نكتب تاريخنا بيدنا، نحن الآن أكثر وعياً، وأكثر تحضراً، وثقافة".

في مكان قريب، ترقص ساندرا رزق 19 عاماً، بين جموع المتظاهرين، فرحة بعودتها إلى لبنان للانضمام إلى الحراك الشعبي، بعدما غادرته للدراسة في إيطاليا.

وقالت لفرانس برس: "نطالب بأبسط حقوقنا الإنسانية، نطالب بالكهرباء، والمياه، والأماكن العامة، نريدهم أن يتوقفوا عن السرقة".

وقالت رزق طالبة تصميم الأزياء: "لدينا الكثير من ذوي الكفاءات الذين يغادرون البلد، ليعملوا على تحسين بلد آخر. هذا أمر غير مقبول".



تفاجأ كثيرون بحركة الطلاب أو "جيل الانترنت" كما يطلق البعض عليهم، ورحب بهم المتظاهرون في كل مكان تاركين لهم أن يمسكوا زمام المبادرة طيلة أسبوع.

وقال نديم حوري، المدير التنفيذي لـ"مبادرة الإصلاح العربي"، المؤسسة البحثية التي تُعنى باقتراح برامج تسهم في التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية، لفرانس برس: "توقع الكثيرون أن يكونوا بليدين من كثرة الجلوس لساعات على يوتيوب ومواقع التواصل الإجتماعي"، لكن الجيل الجديد فاجأ الجميع.

وحسب حوري، لم يعش الجيل الجديد الحرب الأهلية بين 1975 و 1990، ولم يختبر السياسيين من تجار الحروب كما فعل أهلهم. لذلك، لا تثير ذكريات الحرب فيهم الخوف نفسه الذي يتجذر في نفوس عائلاتهم، فهم "يهتمون أقل بالطائفية وأكثر بالعدالة الاجتماعية" في بلد يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية، حسب حوري.

وأوضح حوري أن الطلاب خرجوا من الانتماءات الحزبية التقليدية، وكل ما يريدونه اليوم هو "التعامل معهم مواطنين، وليس أبناء طوائف".

وأضاف، أن "بصمة الجيل الجديد واضحة، إنهم أكثر تشبيكاً وديموقراطية في ممارساتهم".



وهذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان تحركات ضد السلطة على خلفية قضايا اقتصادية، أو سياسية، لكن ما يميز هذا الحراك هو أنه عابر للطوائف، والمناطق، لا يستثني قائداً أو زعيماً، وكسر الكثير من المحرمات مطالباً برحيل الطبقة السياسية كاملةً، دون استثناء.

ويشارك الطالب في الهندسة جورج 26 عاماً، في التظاهرات منذ انطلاقتها قبل أكثر من شهر، باعتبار أنها "الثورة الحقيقة التي تمثلنا".

وقال بحماسة لفرانس برس: "نمثل الجيل الجديد الذي تحرر من العقلية السياسية" التقليدية، مضيفاً "حتى إذا كان بيننا من ينتمي إلى أحزاب سياسية، فإن لدينا أولويات، وهي لبنان أولاً".



في غضون عام، ينهي جورج دراسته الجامعية، وكان يخطط للسفر إلى الخارج لمتابعة دراساته العليا، لكنه قد يغير رأيه ويختار البقاء، إذا تحسن الوضع بفعل "ثورة 17 تشرين" على حد قوله.

وأبدى جورج، بينما حمل حقيبته على ظهره والعلم اللبناني فوق كتفه، فخره بالحركة الطلابية.
وقال: "نحن من يُبقي الثورة حية، إذا اضطر الأكبر منا إلى الذهاب إلى عمله، فنحن سنحوّل دوام المدرسة والجامعة، إلى دوام ثورة".