الخميس 21 نوفمبر 2019 / 14:16

حيل قديمة لن تعيد المارد إلى قمقمه في العراق

رغم أنه من السابق لأوانه التكهن بنتائج الانتفاضة العراقية، لكن الواضح أن ما نشهده هو نتاج سوء فهم لعدد من القضايا سواء من قبل المشاركين في الدراما الحالية، أو من المتفرجين على ما يجري.

طهران مخطئة في اعتقادها بوأد الانتفاضة من خلال حمام دم كما حصل في سوريا. كما تخطئ واشنطن في الاعتقاد أن انتخابات جديدة وفق نفس القواعد ستهدئ المحتجين

فهناك من يعتقد أن قلب نظام صدام حسين لم يكن سوى خطيئة لم تكن لتقود سوى إلى جهنم. ويرى هؤلاء أنه طالما أن القوة لا يمكن أن تفرض الديمقراطية، أخطأت الولايات المتحدة في غزوها للعراق، وخلعها صدام حسين.

ولكن حسب ما عرضه، ضمن موقع "غيتستون"، أمير طاهري، كاتب عمود في الشرق الأوسط منذ عام 1978، هناك من يتجاهل حقيقة أنه رغم عجز القوة عن فرض الديمقراطية، فقد أزالت معوقات أمامها.

الصدامية
إلى ذلك، هناك من يعتقد أنه رغم رحيل صدام، تبقى الصدامية سمة غالبة في الحياة العراقية. إنهم يتحدثون في مقاهي بغداد حول خطر صدام جديد. ولكن من يتمسكون بتلك الفكرة يتجاهلون حقيقة أن غالبية العراقيين تجاوزوا مرحلة صدام، ولم يعودوا مرعوبين من كابوس كان يمثله. ولم يكن ثلثا سكان العراق قد ولدوا في عام 1963 عندما استولى البعثيون على السلطة. وعلاوة عليه كان قرابة نصف العراقيين أطفالاً في عام 2003، عندما انتهى صدام داخل حفرة في تكريت.

وعند التحدث إلى مسؤولين وخبراء في بغداد، يندهش المرء لدى سماعه عن نظريات "المؤامرة" التي خرج لتنفيذها مئات الآلاف من العراقيين مخاطرين بحياتهم – قتل أكثر من 300 شخص خلال الأسابيع الأربع الأخيرة.

لكن من يحاول تجنب نظريات المؤامرة من المسؤولين في العراق، يعتقدون أن سبب الانتفاضة نقص في الخدمات العامة وضعف الأداء الاقتصادي، وتفشي الفساد. ورغم أهمية تلك العوامل، لا شك في أن للثورة جذوراً أخرى، ربما أعمق منها. فالخدمات العامة أفضل اليوم مما كانت عليه قبل عشر سنوات، عندما واجهت حتى بغداد والبصرة حالات انقطاع للكهرباء ونقص للمياه. كما تحسن أداء الاقتصاد العراقي، وأصبح أكثر قوة من الاقتصاد الإيراني. وأصبح متوسط دخل العراقي العادي أفضل مما كان عليه قبل خمس سنوات.

نظريات مضللة
ونتيجة له، يرى الكاتب أنه من الخطأ تفسير سبب الانتفاضة في العراق على أساس نظريات الصراع الطبقي والعوامل الاقتصادية.
ويشير طاهري لتكون معظم النخبة الحاكمة من منفيين سابقين، وأشخاص عاشوا لعشرات السنين خارج العراق، والذين لا زالت عائلاتهم تقيم في إيران وأوروبا ودول عربية، أو في الولايات المتحدة. ويحمل عدد من هؤلاء جنسيات أجنبية. ولا يعني هذا أن محبتهم للعراق تقل من سواهم. ولكن، تبقى حقيقة أنهم لا يقدرون تماماً مشاعر عامة العراقيين، وخاصة جيل الشباب، تجاه العراق ومصيره.

ويشير الكاتب لكون الجماهير العراقية أصغر في السن من نخبتها الحاكمة، بل هم أيضاً، في بعض الحالات، أفضل تعليماً وخبرة من الناحية التقنية. كما أصبح لدى جيل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر فرصة للوصول إلى محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف مطبوعة، وبشكل أوسع مما كان يحلم به العراقيون إبان قبضة صدام الحديدية على وسائل الإعلام.

أساسيات الأبجدية
ويتعجب مسؤولون عراقيون من كيفية تمكن أميين من إرسال وتلقي رسائل نصية على هواتفهم الذكية. ولكن لا يدرك هؤلاء المسؤولون أنه حتى أفقر فلاح قادر اليوم على التقاط أساسيات الأبجدية، ومعرفة مفردات لمئات الكلمات التي تعبر عن غضبه ولتنسيق تحركاته مع من يشاركونه همومه.

ويرى الكاتب أن أرفع مسؤول في وزارة المالية في بغداد يهزأ بشأن "تعبير رجل قبلي عن رأيه حول كل شيء في هذا العالم"، وهو لا يدرك بأنه يهزأ من نفسه.

من جهة أخرى، هناك، حسب الكاتب، سوء فهم من قبل قوى خارجية. ففي طهران، حيث صعق الملالي من شدة الانتفاضة سوء فهم وادعاء بأن ما يجري هو من صنع الأقلية السنية الساعية للانتقام من الأغلبية الشيعية المسيطرة على الحكومة.

رفض التدخل الأجنبي
وفي هذ السياق، زعمت صحفية "كيهان" التي تعكس وجهات نظر"المرشد الأعلى" بأن 15٪ فقط من المحتجين هم من الشيعة.
ولكن يصعب على قادة إيران الاعتراف بأن عناصر شيعية أضرموا النيران في قنصلياتهم ومراكزهم الثقافية في العراق.

من جانب آخر، يرى الكاتب أن مسؤولين أمريكيين يتجاهلون حقيقة أن الانتفاضة قامت ضد جميع شرائح النخبة الحاكمة ورعاتهم الخارجيين، وخاصة إيران. كما يشعر العراقي العادي بامتعاض، وإن بدرجة أقل من استمرار الوجود الأمريكي، رغم أنه في أقل مستوياته منذ 15 عاماً.

ويرى الكاتب أن طهران مخطئة في اعتقادها بوأد الانتفاضة من خلال حمام دم كما حصل في سوريا. كما تخطئ واشنطن في الاعتقاد أن انتخابات جديدة وفق نفس القواعد ستهدئ المحتجين. ولم يعد العراقيون يطيعون ملالي النجف كما كانوا من قبل.

وهكذا لن تعيد أي من تلك الحيل المارد إلى قمقمه في العراق.