وثيقة فوتوغرافية قديمة من "الدخول في اللعبة، قصة النساء الغربيات في الجزيرة العربية" (أرشيف)
وثيقة فوتوغرافية قديمة من "الدخول في اللعبة، قصة النساء الغربيات في الجزيرة العربية" (أرشيف)
الخميس 21 نوفمبر 2019 / 20:04

الدخول في اللعبة... قصة النساء الغربيات في الجزيرة العربية

اشتغلت المؤرخة البريطانية بينيلوب توسن Penelope Tuson في كتابها "الدخول في اللعبة، قصة النساء الغربيات في الجزيرة العربية"Playing the Game: Western Women in Arabia على تفكيك خطاب الرحالات الغربيات في الجزيرة العربية والخليج العربي في الحقبة التاريخية الواقعة بين تسعينيات القرن التاسع عشر، وثلاثينيات القرن العشرين.

أشيد في هذا المقام بجهود هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة من خلال مشروعي"كلمة" للترجمة ومشروع "رواد المشرق"، وهما مشروعان ثقافيان تأسيسيان قدّما للمتلقي العشرات من كتب الرحلات الغربية

والمؤلفة بنيلوب توسن هي مؤرخة وموظفة أرشيف في المكتبة البريطانية وأرشيف الشرق الأوسط في مجموعات وزارة الهند والاستشراق. وعملت أيضاً رئيسة لوحدة أبحاث الشرق الأوسط، وهي الآن تدير مكتبها للاستشارات البحثية التاريخية. وكتاباتها هي"بنات الملكة"، ومختارات من كتابات نسائية فيكتورية حول الهند، وبعض الكتب التاريخية التوثيقية للسعودية والإمارات.

تناولت بنيلوب توسن مدونات عدد من الرحالات البريطانيات إلى منطقة الجزيرة والخليج العربي، وبعضهن كنّ مشهورات جداً مثل الليدي آن بلنت، وغيرترود بيل، وفريا ستارك، وبعضهن كن مجهولات تماماً وبقيت مدوناتهن حبيسة الأرشيف.

ولكن يجمع هؤلاء الرحالات جميعاً الانضواء في خطاب الكولونيالية البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر، والعقود الأولى من القرن العشرين، رغم جموح خطاب بعضهن وتقليدية خطاب البعض الآخر.

إن بنيلوب توسن حاولت من خلال أطروحة كتابها تناول إشكالية تداول السلطة والمكانة أو الاقتراب منها في المشروع الامبريالي. ومن محاور هذا الكتاب: المطالبة بمكان، النساء والسياسة الامبريالية قبل الحرب العالمية الأولى، وصون كرامة الإمبراطورية: جولة نائب الملك في الخليج عام 1903، وزوجة الوكيل السياسي إيميلي أوفرند لوريمير في البحرين 1911-1912، وقصص نظيرة: المبشرون الأمريكيون في الخليج، والعمل الحربي لصالح الإمبراطورية: نساء غربيات في بلاد مابين النهرين والخليج 1914-1918، والنساء والنظام العالمي الجديد: المنظور الإنجلو أمريكي حول الاستعمار 1918-1926، ونساء يدعين جارحات: رحالات ومستشرقات خلال سنوات الحرب، وحادثة بيجاما الشاطئ 1933: النفط ومسار الخليج العربي الجوي وانفتاح الساحل.

أشارت المؤرخة النسوية، كلير ميغلي، في مقدمة مجموعة من الكتابات حول الجنوسة والامبريالية، نُشِرت في 1998، عن الطرق التي تطور خلالها تأريخ الجنوسة والتأريخ الامبريالي التقليدي بمعزل عن بعضهما البعض.

فلقد نُظر إلى التأريخ الامبريالي وكُتب عنه على الدوام بوصفه "تاريخ صنائع الذكور، سواءً كانوا واضعي سياسات، أم قادة عسكريين، أم مستكشفين، أم مبشرين، في حين كان تأريخ المرأة وعلاقتها بالامبريالية، حتى فترة قريبة ذا أهمية ثانوية، فهو موضوع يستحق تركه للمؤرخات للبحث فيه".

لقد كانت بنيلوب توسن مهتمة في هذا الكتاب بالدرجة الأولى بتمثيلات الجزيرة العربية في كتابات هؤلاء الرحالات الغربيات،البريطانيات، مع بيان تعاضد كتابتهن بطريقة أو بأخرى مع مشروع الكولونيالية البريطانية الصاعد، والمهيمن آنذاك.

إنّ أطروحتها على درجة عالية من الطرافة والجدة والرصانة المنهجية في تتبع خطاب الرحالات البريطانيات، وربطه بالأنساق الثقافية الكبرى الصادرة عنه، وهذا الكتاب كتاب ملهم لتناول خطاب الرحالات الغربيات رغم ندرة ورودهن في الأراشيف البريطانية الرسمية.

 إن خطابهن من شأنه تسليط الأضواء على المرأة بكتابة المرأة نفسها،  خاصةً تمثيلات المرأة العربية في الجزيرة العربية والخليج العربي، في حقبة ندرت فيها الأراشيف المحلية التي تؤرخ مثل هذه التمثيلات.

وعلى مدى عقود من الزمن اشتغل عدد كبير المؤرخات والأكاديميات الخليجيات بمواضيع من مثل "بريطانيا والخليج العربي"، و"بريطانيا والهند والعرب" و"والصراع من أجل السلطة في جزيرة العرب"، و"والسياسة في واحة عربية" وغيرها، في حين لم تحظ سياسات الجنوسة والامبريالية بنصيبٍ من هذه الكتابات، وقليلات هن الأكاديميات الخليجيات اللواتي انتبهن إلى رصد خطاب الرحالات الغربيات، وهناك مدونات ضخمة جداً من اشتغالات هؤلاء الرحالات الغربيات، تُغري الباحث بالاشتغال فيها، وقد آن الانتباه إليها لأنها توفر لذواتنا معرفة عميقة بالآخر، وهذه المعرفة هي الأساس في أي تواصل حضاري حقيقي.

وأُشيد في هذا المقام بجهود هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة من خلال مشروعي"كلمة" للترجمة، ومشروع "رواد المشرق"، وهما مشروعان ثقافيان تأسيسيان قدما للمتلقي العشرات من كتب الرحلات الغربية إلى الجزيرة العربية، والخليج العربي، مع ترجمة أهم المراجع العالمية التي تناولتها من خلال مقاربات أكاديمية رصينة.

وكتاب "الدخول في اللعبة، قصة النساء الغربيات في الجزيرة العربية"، من ترجمة الأكاديمي الأردني الدكتور عبدالله جرادات، ومن إصدارات مشروع "كلمة" الإماراتي للترجمة الصادر عن دائرة أبوظبي للثقافة والسياحة.