محتجون إيراييون يسدون الطرق أمام السيارات.(أرشيف)
محتجون إيراييون يسدون الطرق أمام السيارات.(أرشيف)
الجمعة 22 نوفمبر 2019 / 10:27

أزمة إيران تتفاقم..الاحتجاجات إلى أين؟

رأى الكاتب تيم بلاك أنه على الرغم من أن إيران لاتزال قوية من الناحية الأمنية والعسكرية، إلا أنها في الوقت نفسه باتت ضعيفة من الناحية السياسية والإيديولوجية، وبخاصة بعد أن أصبح تدخل إيران في شؤون الدول المجاورة محور احتجاجات شديدة في لبنان والعراق، وقد وصل الأمر الآن إلى خروج تظاهرات داخل إيران ذاتها ضد نظام الملالي.

من الصعب معرفة مصير تلك الاحتجاجات، وبخاصة لأن إيران لاتزال قوية من الناحية الأمنية والعسكرية، إلا أنها في الوقت نفسه باتت ضعيفة من الناحية السياسية والإيديولوجية

وكانت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني أعلنت يوم الجمعة الماضي عن ارتفاع أسعار البنزين بنسبة 50% لأول 60 لتراً يتم شراؤها شهرياً إضافة إلى زيادة أكبر لكل لتر إضافي، وذلك من دون مناقشة أو تحذير مسبق. وقال روحاني إن الأموال التي سيتم جمعها سوف تُستخدم لمساعدة مواطني إيران الأكثر احتياجاً.

تصاعد الاحتجاجات
وفي غضون ساعات بدأت الاحتجاجات التي تصاعدت بسرعة في عطلة نهاية الأسبوع، وبحلول يوم الأحد الماضي وصلت الاضطرابات إلى حوالي 100 مدينة وبلدة بحسب وكالة أنباء فارس الإيرانية. وبحلول يوم الثلاثاء الماضي أفادت منظمة العفو الدولية أن لديها تقارير موثوقة تفيد بمقتل 106 متظاهر على الأقل في 12 مدينة على أيدي قوات الأمن الإيرانية. وقالت منظمة العفو الدولية أن عدد القتلى الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير؛ إذ تشير بعض التقارير إلى مقتل 200 شخص.

ويرى الكاتب أنه من الصعب معرفة تفاصيل ما يحدث بالضبط لأن نظام الملالي عمد إلى إغلاق شبكة الإنترنت بشكل شبه كامل؛ إذ لا تتجاوز معدلات التواصل مع العالم الخارجي 4% من المستويات العادية، ولكن إفادات شهود العيان ولقطات تسربت من الهواتف المحمولة تؤكد أن الوضع قاتم حسبما أشارت منظمة العفو الدولية.

ويقول التقرير "تطلق قوات الأمن النار على المتظاهرين وترفض إعادة جثث القتلى إلى عائلاتهم. وعلى الرغم من وحشية الجهاز الأمني في التعامل مع الاحتجاجات، إلا أنه لا إشارات على تراجع المتظاهرين".

العقوبات الصارمة تؤتي ثمارها
ويعتبر المناصرون للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط أن الاحتجاجات الإيرانية تُعد بمثابة دليل على أن فريق ترامب كان على حق في التخلي عن الاتفاق النووي الإيراني خلال مايو(أيار) للعام 2018 وإعادة فرض العقوبات الصارمة ضد إيران وسياسة "الضغط القصوى" التي أجبرت نظام الملالي على رفع سعر الوقود، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات.

ويلفت الكاتب أن هذا صحيح إلى حد ما، وبخاصة لأن إعادة فرض العقوبات العام الماضي دفعت الاقتصاد الإيراني إلى الركود العميق، وقد انكمش الاقتصاد بنسبة 9,5% خلال هذا العام وحده بحسب صندوق النقد الدولي، ووصلت معدلات التضخم إلى قرابة 40% وبلغت نسبة البطالة بين الشباب 26% (في دولة 40% من سكانها أقل من 25 عاماً). وبات الكثير من الإيرانيين الآن يعيشون في فقر مدقع، وحتى مع أن المصاعب الاقتصادية والاجتماعية لإيران ليست جديدة، إلا أنها تفاقمت بشكل كبير بسبب العقوبات الأمريكية.

ولكن يرى الكاتب أن العقوبات الأمريكية ليست وحدها السبب وراء الاحتجاجات التي اجتاحت إيران؛ لاسيما أن المظاهرات ضد الحكومة ونظام الملالي ليست استثنائية أو غير مسبوقة، والواقع أن الاحتجاجات الواسعة الأخيرة ليست سوى أحد مظاهر المشاعر المتزايدة المعادية لنظام الملالي التي تتدفق تحت سطح الحياة الاجتماعية الإيرانية.

مظاهرات الحركة الخضراء

وعلاوة على ذلك، فقد اندلعت الاحتجاجات ضد نظام الملالي من قبل في أواخر عام 2017 وأوائل 2018، وهي فترة السلام والاستقرار المفترض أنها نتجت عن صفقة الاتفاق النووي للعام 2015 مع الدول الكبرى. وبحسب الكاتب، فإن احتجاجات 2017 و2018 يجب اعتبارها بمثابة مقدمة للاضطرابات الواسعة التي تشهدها إيران حالياً.

ويلفت الكاتب إلى أن احتجاجات عامي 2017 و2018 تختلف عن مظاهرات الحركة الخضراء للعام 2009 التي ركزت على الترشيح السياسي لحسين موسوي، وكانت بشكل أساسي حركات الطبقة المتوسطة في طهران، ولم يعترض المحتجون آنذاك على النظام الثيوقراطي نفسه، وإنما على محمود أحمدي نجاد الذي كان يشغل منصب الرئاسة في ذلك الوقت.

ويضيف الكاتب أن احتجاجات 2017 و2018 كانت مختلفة إلى حد كبير؛ إذ ظهر المحتجون وسط نزاعات عمالية لا حصر لها من الطبقة العاملة والمدن والبلدات المحافظة التي كان نظام الملالي يصفها باعتبارها دائرته الانتخابية الأساسية، وكانوا منتشرين من الناحية التنظيمية ومطالبهم واسعة، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه متعنتون ويهتفون "الموت للديكتاتور" في إشارة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي، كما هتفوا أيضاً ضد الفساد المستشري وسوء الإدارة الاقتصادية في نظام الملالي.

ويورد الكاتب أن الاحتجاجات التي تشهدها إيران اليوم تتشابه إلى حد كبير مع احتجاجات عامي 2017 و2018. وكما حدث في 2018، كانت هناك اضطرابات في طهران ولكن هذه المظاهرات اندلعت أساسا في المقاطعات وتوغلت في وقت واحد بالمدن الرئيسية في البلاد مثل شيراز وأصفهان وتبريز، أما المحتجون فهم الطبقة العاملة التي اعتقد نظام الملالي أنه يستطيع الاعتماد عليها.

ضعف نظام الملالي
ويقول الكاتب: "تعكس شعارات المتظاهرين اليوم وهجومهم على المباني الحكومية والمدارس الدينية والمكاتب البلدية مدى غضبهم من الدولة الإيرانية نفسها، وهذا هو الاختلاف بين احتجاجات اليوم ومظاهرات الحركة الخضراء في 2009، حيث يستهدف المحتجون اليوم الدولة الإيرانية القمعية والتوسعية التي تبدو كقوة فاسدة تحافظ على نفسها؛ إذ يصطف فيلق من المسؤولين الباحثين عن تضخيم ثرواتهم الخاصة، ويخدم القضاء مصالح رجال الدين الأقوياء ويفرض الجهاز الأمني الهائل حكمه التعسفي".

ويخلص الكاتب إلى أن العقوبات الأمريكية نجحت بالفعل في تأجيج هذا الصراع السياسي المتزايد داخل المجتمع الإيراني ولكنها لم تخلقه، فقد لعبت سياسة الضغط القصوى دوراً في زيادة التوترات فقط من خلال إجبار ملالي طهران على القيام بالمزيد مما كانوا يفعلوه منذ فترة طويلة في جميع الأحوال، وهو إلقاء العبء الاقتصادي على المواطنين.

ويختم الكاتب قائلاً: "من الصعب معرفة مصير تلك الاحتجاجات، وبخاصة لأن إيران لاتزال قوية من الناحية الأمنية والعسكرية، إلا أنها في الوقت نفسه باتت ضعيفة من الناحية السياسية والإيديولوجية، لاسيما بعد أن أصبح تدخل إيران في شؤون الدول المجاورة محور الاحتجاجات الشديدة في لبنان والعراق، والآن باتت الدولة الإيرانية (نظام الملالي) محور الاحتجاجات الشديدة داخل إيران نفسها".