صورة بالأقمار الاضطناعية لمطة فوردو النووية.(أرشيف)
صورة بالأقمار الاضطناعية لمطة فوردو النووية.(أرشيف)
الجمعة 22 نوفمبر 2019 / 13:30

أوروبا رهينة السلاح النووي الإيراني

رأى مراسل مجلة "بوليتيكو" للشؤون الأوروبية ماثيو كارنيتشنيغ أنّ الاختيار بين إيران والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشبه بالنسبة إلى أوروبا اختيار السم. ومع اقتراب طهران من تطوير أسلحة نووية، يزداد الضغط على الاتحاد الأوروبي للاصطفاف إلى جانب أحد طرفي الصراع حيث بذلت دوله جهودها للبقاء على هامشه.

قد يكمن السبب الآخر لرفض أوروبا التشدد مع إيران هو ببساطة تفادي الاعتراف بأنّ ترامب لم يكن مخطئاً حول إيران كما كانوا يعتقدون

بذلت أوروبا جهداً لإبقاء الاتفاق النووي حياً بعد انسحاب ترامب منه في مايو (أيار) 2018. وأشار ترامب إلى أنّ الاتفاق لن يمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية في المدى الطويل. لكن داخل الاتحاد الأوروبي، مثّل الاتفاق النووي لحظة مميزة بالنسبة إلى ديبلوماسية التكتل وقد اعتقد زعماؤه أنها أكدت قدرة الاتحاد على التحرك وفقاً لسياسة خارجية موحدة.

بعدما أعادت واشنطن فرض العقوبات على طهران، شجعت أوروبا شركاتها على مواصلة التجارة مع إيران وحاولت تأسيس نظام للدفع الدولي كي تتفادى العقوبات الأمريكية. وحاول الأوروبيون طوال أشهر تغطية المشاكل بواسطة تطمينات خطابية تفيد بأنهم ملتزمون بالاتفاق حتى عند انهياره. لكنّ سلسلة من الخروقات الإيرانية للاتفاق النووي تجبر الزعماء الأوروبيين على إعادة تقييم مقاربتهم.

خوف
إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، يتضمن اللاعبون الأساسيون ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة اللواتي وقعت على الاتفاق. يقول مسؤولون مقربون من المداولات إنّ الشيء الوحيد الذي يمكن المجموعة الاتفاق عليه هو حاجتهم لأن يقوموا بشيء. السؤال ما هو هذا الشيء. بحسب الاتفاق، بإمكان الاتحاد أن يلجأ إلى مسار يحدّده الاتفاق يمكّنه من فرض عقوبات على إيران، كما فعلت الولايات المتحدة. لكن أوروبا تبدو خائفة من هذه النتيجة أكثر من طهران. منذ أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في يوليو (تموز) أن دولته ستخصب اليورانيوم "إلى أي مستوى نريده"، أتى الرد بكلام قوي لم يتبعه أي تحرك.

قلق وخسارة
بعدما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي أنّ إيران كانت تخصب اليورانيوم في منشأة سرية رأت مخابرات غربية أنها بُنيت لتطوير أسلحة نووية، أصدر وزراء الخارجية الأوروبيون بياناً قالوا فيه إنهم "قلقون للغاية".

ولم يتخذوا أي خطوة إضافية. تقول المحللة في المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية الذي يقدم خدمات استشارية للحكومة ساشا لوهمان إن الوقت أصبح متأخراً جداً كي تتصرف أوروبا. وأضافت: "كان يجب عليهم التحرك منذ فترة طويلة." بعبارة أخرى، من خلال الرد بشكل ضعيف على الاستفزازات والخروقات الإيرانية السابقة كالهجوم على ناقلات النفط في الخليج العربي وقصف السعودية، خسرت أوروبا أي نفوذ ديبلوماسي أمكن أن تتمتع به في السابق.

إذلال
بعد سنة على انطلاق عقوبات الضغط الأقصى، أدركت القيادة الإيرانية أن أوروبا عاجزة عن تخفيف تأثيرها عنها وبالتالي ليس لديها الكثير لتقدمه. وربما أبرز دليل على ذلك تجاهل الشركات الأوروبية الكبرى لنصيحة حكوماتها والتزامها بلائحة العقوبات الأمريكية. برز مؤشر آخر إلى تقلص النفوذ الأوروبي خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول). بعد إعطاء إشارة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه سيتحدث مع ترامب عبر الهاتف من فندقه، رفض روحاني الموضوع في الدقيقة الأخيرة مذلاً الرئيس الفرنسي الذي حاول لأسابيع أن دفع الطرفين إلى الجلوس معاً.

دور المتفرج
ظهر دور أوروبا المتفرج بشكل كامل مرة أخرى هذا الأسبوع. مع نزول آلاف الإيرانيين إلى الشوارع خلال الأيام الماضية، كان صمت العواصم الأوروبية البارزة مصماً للآذان. دعم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومسؤولون أمريكيون آخرون التظاهرات، بينما كان السياسيون الأوروبيون صامتين. لقد تحسرت المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع على "تجاهل الحريات الأساسية" في بيلاروسيا لكنها ظلت ساكتة عن إيران على الرغم من أنّ تقارير من منظمة العفو الدولية ومجموعات أخرى قتلت عشرات المتظاهرين. وكان لأوروبا تاريخ طويل من إشاحة النظر عن انتهاك إيران لحقوق الإنسان الجوهرية.

ينتقدون ترامب أكثر من إيران

بالفعل، بدا مسؤولون أوروبيون أحياناً مثل منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكثر انتقاداً لإدارة ترامب من النظام الإيراني الوحشي. يلعب الاقتصاد دوراً جزئياً. رأت الدول الأوروبية البارزة، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا، إيران الغنية بالنفط والتي تضم أكثر من 80 مليون شخص شريكاً تجارياً جذاباً يتمتع بإمكانات غير مستغلة. وقال ديبلوماسيون أوروبيون سراً إنّهم تمسكوا بالاتفاق النووي مخافة من أن يؤدي الاعتراف بانهياره وإعادة فرض العقوبات إلى استفزاز إيران أكثر.

لعبة الانتظار وسقوط النظرية
بحسب كارنيتشنيغ، قد يكمن السبب الآخر لرفض أوروبا التشدد مع إيران هو ببساطة تفادي الاعتراف بأنّ ترامب لم يكن مخطئاً حول إيران كما كانوا يعتقدون. جادل مسؤولون أوروبيون طويلاً بأنّ استراتيجية ترامب بتعزيز ضغط العقوبات كانت تخاطر بأن توحد الإيرانيين خلف زعمائهم لمعارضة "الشيطان الأكبر". لكن التظاهرات الإيرانية الأخيرة أسقطت تلك النظرية. إنّ ما أثار التظاهرات التي قُتل فيها أكثر من 100 مواطن هو إنهاء الدعم لأسعار الوقود. والمجادلة بأنّ العقوبات الأمريكية لم تساهم في هذا القرار أمر صعب. أحد الأسباب التي دفعت الأوروبيين للجوء إلى لعبة الانتظار مع إيران هو أملهم بأن تساعد الانتخابات الأمريكية سنة 2020 والإيرانية سنة 2021 على تحسين الظروف. لكن كارنيتشنيغ يختم بأنّ أحداث الأسابيع الأخيرة أظهرت أنّ الوقت قد نفد.