غابات ماليزية مجروفة لتعويضها بأشجار نخيل لإنتاج الزيت (أرشيف)
غابات ماليزية مجروفة لتعويضها بأشجار نخيل لإنتاج الزيت (أرشيف)
الجمعة 22 نوفمبر 2019 / 19:11

كذبة خضراء

الوقود الُمنتج من زيت النخيل يطلق على امتداد عملية إنتاجه 3 أضعاف الانبعاثات الغازات الدفيئة –وهي المسؤولة عن الاحتباس الحراري- مقارنةً بالديزل الأحفوري!

مع ازدياد الوعي البيئي، أصبحت عبارة "أقل ضرراً على البيئة" عامل جذبٍ جبّارٍ لضمائر ومحفظات المستهلكين على حد السواء.

ولكننا لأننا لسنا في المدينة الفاضلة -للأسف-، وعلي بابا والأربعين حرامي لم يُدفنوا في مغارتهم. فإن ازدياد الوعي البيئي يجب أن يرافقه ازديادٌ في الوعي بظاهرة الـgreenwashing، وهو كل ما تقترفه الشركات الخبيثة من تضليل حول ممارساتها البيئية.

ولم أجد وقتاً أكثر مثاليةً من الآن لكتابة هذا المقال التحذيري، إذ تزف ماليزيا –ثاني أكبر مصدرةٍ لزيت النخيل على مستوى العالم- بشرى اعتزامها بناء مصنع لاستخدام هذه الزيوت في إنتاج وقود الطائرات "الأخضر" محلياً.

ومن المفترض بكلمة "الأخضر" أن تعني بأن وقود الطائرات هذا أقل ضرراً على البيئة. ولكني أعتقد أنها ترمز فقط إلى الخطوط والشعارات الخُضر التي تُرسم على هياكل الطائرات الخارجية لخداعنا.

كما قد تعلمون، فإن البشرية تجد نفسها أمام تحدٍ مهمٍ للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الطائرات بدون عرقلة حركة السفر الجوي، والذي لا يبدو خياراً واقعياً أصلاً في ظل تناميها بشكلٍ غير مسبوق.

ولأن الكثيرين منا يتوقفون عند قراءة الوعود الرنانة، فإن استبدال وقود الطائرات "الشيطاني" بالوقود "الأخضر" الناتج من زيوت النخيل تبدو كقفزةٍ بيئيةٍ رائعةٍ للأمام. والأسوأ، هو أننا سنبتلع الطُعم الذي تقدّمه لنا الشركات بتزييف وعيها البيئي، وادعاء تحمّلها للمسؤولية.

ففي هذا المثال البسيط المتعلق بوقود الطائرات، يكتشف المرء منا بالقليل من البحث فحسب بأن صناعة زيت النخيل -والذي يتم التسويق له تحت شعار "الاخضرار" المزعوم- مسؤولةً بشكلٍ مباشرٍ أصلاً عن تضاعف انبعاثات الغازات الدفيئة، والاحتباس الحراري!

كيف؟

إن نخلة الزيت -والذي يدخل في إنتاج العديد من الأشياء، بما في ذلك رقائق البطاطس التي ربما تتلذذ بها أثناء قراءة هذا المقال- تنمو غالباً في الغابات الاستوائية المطيرة. ولتصبح هذه الصناعة بالحجم المهول الذي هي عليه اليوم، كان لا بد من ارتكاب المجازر في الغابات قطعاً وحرقاً، ولا داعي لأن أوضّح لكم بتأثير ذلك على البيئة. بل يقدّر العلماء بأن تدمير الغابات الاستوائية يتفوق في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على ما تنتجه جميع سيارات وشاحنات العالم!

أما عن فقدان الحيوانات البرية، مثل الفيلة وإنسان الغاب، لموطنها الطبيعي بسبب تدمير الغابات، فحدّث ولا حرج، ولو أن المقال لا يتسع للتباكي عليهم.

ومع نهاية الحسبة البيئية البسيطة، نجد أن الوقود الُمنتج من زيت النخيل يطلق على امتداد عملية إنتاجه 3 أضعاف الانبعاثات الغازات الدفيئة –وهي المسؤولة عن الاحتباس الحراري- مقارنةً بالديزل الأحفوري!

صدقوني، لا تكمن المصيبة بأن هناك من حاول أن يكحل "عين بيئتنا" فعماها.

ولكني لا أستطيع كبح الغضب العارم الذي يعتريني حينما أدرك بأن هناك من سيكسبون ولاء الزبائن، ويرفعون أرباحهم السنوية، من "كذبةٍ خضراء".