الرئيس اللبناني ميشال عون.(أرشيف)
الرئيس اللبناني ميشال عون.(أرشيف)
الجمعة 22 نوفمبر 2019 / 19:28

كلام في كلام!

أهدر الرئيس عون فرصة ذهبية وتاريخية عندما وضع نفسه بشكل أو بآخر في مواجهة الثورة وعاند في قبول شرعية مطالبها وأقصد هنا العناد العملي وليس التأييد اللفظي فقط

هذا هو الوصف الأقرب لواقع خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون الذي ألقاه الخميس بمناسبة الذكرى 76 للاستقلال.

الخطاب جاء بعد أقل من أسبوعين من الحوار الذي أجري معه بناء على طلبه وبترتيب من صهره جبران باسيل مع الإعلامي سامي كليب، والصحافي نقولا ناصيف والذي تسبب له بالكثير من المشاكل مع الشارع المنتفض وبخاصة لدى دعوته للمتظاهرين وقوله لهم (إذا ما في عندهم أوادم بالدولة يروحوا يهجّوا ) يعني يهاجروا أو يغادروا لبنان.

كانت هذه الدعوة التى خرجت من الجنرال بعصبية وعفوية ولم ينتبه لخطورتها جبران باسيل ولا فريق القصر الرئاسي في بعبدا، كانت سبباً في تحطيم الهالة والقيمة الأدبية لرئيس الجمهورية الذي تحول وبلا مقدمات إلى "كيس ملاكمة" يتناوله المتظاهرون بين العتب القاسي والنقد الساخر والقدح الناعم، وفقد الرئيس في نهاية المطاف القيمة المضافة لموقع رئيس الجمهورية وتحديداً في البعد الأبوي والإنقاذي وأقصد هنا في الأزمات حيث يكون هو الملاذ الأخير والمنقذ.

جاء خطاب الاستقلال الذي ألقاه الرئيس عون بمناسبة الاستقلال بلا فكرة واضحة، وبلا رسالة للبنانيين المنتفضين الثائرين بل على العكس من ذلك جاء الخطاب نمطياً يليق بحالة دولة مستقرة وبلا مشكلات، وكان منحازاً إلى الطبقة الحاكمة والمتمثلة بشخصه كأب روحي ومؤسس للتيار الوطني الحر ولتحالفه مع الثنائي الشيعي المتمثل بحزب الله وحركة أمل، وفي المقابل وجّه الجنرال اتهامات واضحة للمنتفضين بأنهم يشيعون خطاب الكراهية ويحرضون على العنف وقطع الطرقات وبالمختصر فقد قام الرئيس عون "بشيطنة" الانتفاضة والحراك الشعبي بدلاً من أن يقدره ويثمنه.

أزمة الرئيس عون تجاه الانتفاضة تماماً كما هي أزمة الثنائي الشيعي فهم ضد أي تغيير في التركيبة السياسية وهم ضد فتح ملفات الفساد لأنها إن فتحت بشكل قانوني ومستقل سوف تأتي بهم إلى المحاكمة بل والإدانة، لذلك هم لا يستطيعون القول لا لمطالب المنتفضين في الشارع لكنهم يقولون لهم وحسب تعبير ياسر عرفات الشهير "لعم" أي نعم ولا في ذات الوقت وهو ما يعني عملياً لا شيء.

الرئيس عون من المفترض أنه "بي" الكل، أي والد جميع اللبنانيين وأنه بذلك يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والقوى السياسية، وأن "بي" الكل كان يجب أن يقود ثورة بيضاء على الفساد والمحسوبية، وأن يتمسك بمطالب المنتفضين ويدافع عن شرعيتها، هذا إن أراد أن يكون "أباً" لجميع اللبنانيين، ولكن عملياً هو أب لصهره جبران باسيل وللتيار الوطني الحر ولحلفاء التيار وهما حزب الله وحركة أمل.

لقد أهدر الرئيس عون فرصة ذهبية وتاريخية عندما وضع نفسه بشكل أو بآخر في مواجهة الثورة وعاند في قبول شرعية مطالبها وأقصد هنا العناد العملي وليس التأييد اللفظي فقط. أهدر الفرصة التي كان يجب أن يكون فيها، هو فعلياً "بي" الكل ويعلن من اللحظة الأولى أنه مع الثورة وداعم لمطالبها عملياً ويقوم بوضع أجندة سياسية – اقتصادية لتنفيذ مطالب الشارع اللبناني وتحديداً مطلب محاكمة الفاسدين الذي لا يحتاج منه إلا توفر النية والرغبة الصادقة في تحقيق ذلك.

خطاب الاستقلال لم يكن إلا "كلام في كلام" لم يعط المحتجين أي شيء يذكر، وكان كعادة الرئيس عون وخطاباته وتصريحاته مخيباً للآمال وبعيداً كل البعد عن نبض الشارع.