السبت 23 نوفمبر 2019 / 19:47

خامنئي والثورة المضادة

لم تكن صدمة بالنسبة للمعارضة الإيرانية تأييد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي لزيادة في أسعار البنزين، فبحسب مصادرهم، هو شخصياً صاحب فكرة الزيادة والمسؤول عنها. لكن المثير في الأمر أن خامنئي وصف تلك الاحتجاجات في 52 مدينة إيرانية وأعمال الشغب وإحراق المباني، بأنها لم تقم على أيدي الشعب الإيراني، وإنما قامت بها الثورة المضادة، يقصد بذلك المعارضة المضادة لثورة 1979 في الداخل والخارج، وهذا يتضمن تغريدة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبو، الذي قام بدعم الاحتجاجات بقوله: "نحن معكم".

المعارضة الإيرانية محقّة عندما تميل إلى القول بأن خامنئي نفسه يقف وراء قرار رفع أسعار البنزين، ذلك القرار الذي أدى إلى عُصاب جماعي في معظم المدن الإيرانية عندما رأى الناس أن مدخراتهم سوف تتبخر سريعاً، لأنه صرّح فيما بعد بتصريحين متناقضين عنه، فقد قال إنه لا يعلم التفاصيل فيما يتعلق بهذا القرار، إلا أنه يؤيده وأنه بعد كل ما حدث سيبقى ساري المفعول. في حين كانت الجملة الإلحاقية المتوقعة ل،"لا أعلم التفاصيل" هي "وسأقوم بالتحقيق في الأمر"!
في بداية الحدث كانت المظاهرات سلمية إلى حد بعيد إلا أنها سرعان ما تحولت إلى أعمال عنف في أماكن متعددة من الجمهورية، حيث ظهرت الفيديوهات على الإنترنت لرجال الشرطة وهم يُطلقون النار على المتظاهرين الذين أشعلوا النيران، وأظهرت مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي شرطة مكافحة الشغب وهي تطلق الغاز المسيل للدموع وتستخدم الهراوات يوم السبت لتفريق المحتجين في عدة مدن، وأظهر مقطع فيديو على تويتر جماعة من المتظاهرين يقومون بإشعال النار في أحد البنوك، وأظهرت مقاطع أخرى صورة لخامنئي وهي تُحرق، وسط هتافات شعبية غاضبة تنادي بعد تدخل إيران بما يحدث في سوريا ولبنان والعراق. إنها الثورة المضادة التي لم تغب يوماً ما خلال الأربعين سنة الماضية.

حجم الاحتجاجات الكبير أدى إلى قيام حكومة الملالي بحظر الإنترنت، وصرّح مرصد حجب الإنترنت NetBlocks على شبكة تويتر في وقت متأخر من يوم السبت 16 نوفمبر أن إيران الآن في خضم إغلاق شبكة الإنترنت المحلية بشكل شبه الكامل، بعد مقتل خمسة وعشرين من المحتجين. من المتوقع بعد الحجب أن تشتد شراسة الباسيج المشهورة بمنهجها الدموي المميز لتقوم بمذبحة على غِرار تلك التي وقعت في 1988 أو 2009، لكن الولايات المتحدة تستطيع أن تمنع حجب الانترنت، الأمر الذي من شأنه تخفيف المذابح التي قد تقع.

إذا تركنا التفاصيل وانطلقنا نحو الصورة الشاملة فلنا أن نقول أنه بغضّ النظر عن دعوى حكومة خامنئي بأن الزيادة في أسعار البنزين ستوفر 2.5 مليار دولار سنوياً ستمنح للأسر ذات الدخل المحدود، إلا أن المراقبين السياسيين يرفضون هذه النظرية، ويقررون أن "الضغط الأقصى" الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على إيران هو حرب حقيقية لا تقل شراسة عن الحروب العسكرية، والاقتصاد الايراني يسير نحو الانهيار التدريجي. بلا شك أن "الضغط الأقصى" له دور في الصعوبات التي تواجهها حكومة الملالي، إلا أن من قام بالثورة هو الشعب الإيراني نفسه، بكل أديانه وأعراقه، فعندما تشح الأيام بقطعة الخبز يصبح كل شيء متوقعاً. نظام الملالي في إيران ونظرية تصدير الثورة وولاية الفقيه، كل هؤلاء قد أصبحوا خارج التاريخ، أما التاريخ فقد تعلمنا منه أن اشتعال الأطراف (العراق ولبنان) سيؤدي حتماً إلى اشتعال المركز، خصوصاً وأن المعاناة واحدة والجلاّد واحد وحلها واحد.