من التظاهرات الإيرانية
من التظاهرات الإيرانية
الأحد 24 نوفمبر 2019 / 20:21

تحوّلات عربية وإقليمية فارقة

المنطقة أمام مخاض جديد مختلف، وهو مهما تعثرت خطاه، أو تباطأ جريانه، فإنه ماض في طريقه، سواء كان ظاهراً عياناً بياناً، أو جهاراً نهاراً، أو كان يتم تحت السطح، فلا يراه المتعجلون والغافلون

ما يجري على الساحة العربية والإقليمية حالياً يبدو فارقاً إلى حد بعيد، فالانتفاضات التي امتدت لتطال إيران، والحرب لم تضع أوزارها كاملة بعد في اليمن وسوريا، والعراق في رحلة بحث جديد عن الحرية والهوية، والسودان لم يرسُ تماماً على شاطئ الاستقرار والوضوح، ولبنان يتساءل للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف عام 1989 عن جدوى استمرار النظام الطائفي، والجزائر تفتح مساراً مهماً لمراجعة ميراث نخبة المجاهدين التي حكمت البلاد منذ عام 1962، وتونس أمام اختبار جديد ليس سهلاً، ومصر لم تبن نظاماً سياسياً نهائياً لمرحلة ما بعد سقوط حكم الإخوان مثلما يؤكد مقربون من السلطة نفسها، والخليج العربي أمام تحد أمني كبير في ظل تراخي الدور الأمريكي أو تراجعه، وتصاعد التهديد الإيراني بشكل غير مسبوق، ومع الطمع التركي الذي تكشفت خباياه ونواياه، بينما مجلس التعاون الخليجي يعاني كثيراً وعميقاً في ظل ما تسمى "الأزمة القطرية".

هذه التطورات لم تجر على هذا النحو المؤثر والواعد في آن، منذ زمن الاستقلال عن الاستعمار، وما دار قبله ومعه وبعده من ثورات وانتفاضات وهبات وحركات نضالية أسست لأنظمة حكم في بلدان عربية كثيرة، على رأسها نظام يوليو 52 في مصر، وأعقب هذا صعود الوزن الاستراتيجي لبلدان الخليج العربي بعد الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي.

في دول الجوار، حسب الاصطلاح السائد، هناك تطورات موازية، فالشعب الإيراني في انتفاضة ثالثة ضد حكم الملالي، لكنها هذه المرة هي الأقوى والأوسع انتشاراً، والتي لا يوجد ما يمنع تفجرها من جديد إن تم كبتها أو السيطرة عليها مؤقتاً. ومشروع أردوغان وصل إلى ذروته، وليس بعد التمام سوى النقصان، لاسيما أنه قائم على أكتاف فرد، حتى لو كان رئيس دولة، مربوط ومرهون به، نظراً لأنه منفرد بالقرار، لم يؤسس لمسار، أو يصنع مؤسسة قوية، يمكن أن تعيش بعده، وتحمل أهدافه. وإسرائيل التي تراقب وتتأثر كل ما يجري، بل تساهم في صناعة الكثير من جوانبه وتفاصيله، تعيش وضعاً استراتيجياً مغايراً لكل ما مرت به منذ إنشائها عام 1948، فهي قد خططت لشن حروب خارج أرضها، وهو ما تم بالفعل على مدار ستة عقود من الزمن، لكنها الآن باتت في مرمى صواريخ حزب الله وحماس، التي زاد عددها، وصارت قادرة على تدمير أشد، وتصويب أدق، ما يمثل مشكلة عميقة لإسرائيل، نظرا لضيق مساحتها الجغرافية.

يزيد على هذا أن المنطقة صارت تعاني من إرهاب معولم، إذ لم تعد تنظيماته محلية المنبت والصناعة والأهداف والمسار والمصير، بل صارت أشبه بـ "حصان طروادة" الذي يتم توظيفه في تكتيكات واستراتيجيات إقليمية ودولية. وحتى إن كان أشد التنظيمات طموحاً وتبعية وتوحشاً وهو "داعش" قد ضعف وتفكك، فإن احتمالات قيام غيره واردة بشدة، بالاسم نفسه أو بمسميات جديدة.

ومع ثورة الاتصالات الرهيبة، التي فتحت الآذان والعيون والأذهان على عوالم أخرى تتجدد بلا هوادة، ومع تصاعد طموحات جيل جديد، صار السؤال عريضاً حول قدرة النظم السياسية والاجتماعية الراهنة على الاستيعاب والتكيف وبناء الشرعية والتحديث، ومن ثم الاستمرار والاستقرار.

إن المنطقة أمام مخاض جديد مختلف، وهو مهما تعثرت خطاه، أو تباطأ جريانه، فإنه ماض في طريقه، سواء كان ظاهراً عياناً بياناً، أو جهاراً نهاراً، أو كان يتم تحت السطح، فلا يراه المتعجلون والغافلون.