من معرض: وغداً من أنا؟ (أرشيف)
من معرض: وغداً من أنا؟ (أرشيف)
الإثنين 25 نوفمبر 2019 / 22:19

مفاجآت

القسوة والاعتباط هما ركنا فن الشمعة لكنه مع ذلك يتراوح بين التبسيط وبين التوحش، والتبسيط هو أحياناً على مساحات عريضة، والتوحش هو عبارة عن دوامات لونية

معرض فادي الشمعة مفاجئ بدون أن يتعمد ذلك. المفاجأة في أصله وهي صادمة دون أن تقصد. بل هي مفاجئة بفرط بداهتها وفطرتها. إنها لا تراعي أصولاً ولا تراعي قواعد ولا تبني نظاماً من أي نوع. نبحث هنا عن إناقة، عن النسق، عن الإنسجام، عن الانتظام، لكننا لن نجدها. فنجد في المقابل ما نسميه عشوائياً، ما نعتبره تلطيخاً، ما نحسبه فوضوية أو وحشية. لعلّ كلمة وحشي هي بالتبعثر أو تعدد الأساليب أسلوب بحد ذاته. إذ نفترض أن البحث عن أسلوب هو بحد ذاته فن، بل هو غاية في الفن. يكون الفن هكذا نوعاً من الرجوع الى الوراء، بل نوعاً من القهقرى الدائمة. من هنا فإن فادي الشمعة يبدأ الفن أو يقوله دفعة واحدة. إنه يلعب في حين أنه يؤلف، يلعب في حين أنه يصوّر، وفي لعِبِه يجد. في لعِبه يصل الى الشيء بل إلى أشياء.

ما الذي نراه في فن فادي الشمعة. عودة الى الوراء، إلى مبتدأ الفن، إلى أوّليته، أو خطوة إلى الأمام، خطوة هي أحياناً خبط عشواء. هذه المراوحة بين المبتدأ وما بعد الفن، هي مسيرة هذا الفن ومساره. يتراءى لنا أحياناً أننا ما بعد التعبيرية أو ما يسمى بالوحشية، لكن يتراءى لنا أحياناً أننا أمام فن سلالي، أمام فن شعائري، أمام فن طقوسي، أي فن يعود إلى طفولة الفن وأحياناً الى بدائيته. عند هذا نتوقف قليلاً عند الفن الساذج، عند فن لا يخلو من الصبيانية، ولا يخلو من التبسيط ومن الخطوطية. أي أننا أمام فن يكاد يكون هسترة أو مرضاً أو طفولية واضحة. من الفن المركب المصنوع إلى الفن المبسّط الساذج، هذه هي مسيرة فادي الشمعة وهي مسيرة محيّرة، فنحن ننتقل هكذا من التعقيد الى التبسيط، ونحن ننتقل من الأول إلى ما بعد الأخير، ونحن ننتقل من السذاجة الى الحذاقة.

القسوة والاعتباط هما ركنا فن الشمعة لكنه مع ذلك يتراوح بين التبسيط وبين التوحش، والتبسيط هو أحياناً على مساحات عريضة، والتوحش هو عبارة عن دوامات لونية، دوامات قد تنقلب إلى تبسيط وإلى ما يقرب أحياناً من الفن الساذج. فادي الشمعة هو أيضاً صانع لوحة على قدر واف من الغرابة. إنها نوع من لوحة مضادة، من لوحة معاكسة. إن الفن يتولّد هنا مما يشبه المعارضة، مما يشبه السحق والتدمير، يتولّد من توتر وعصبية، من تعنيف للوحة وقسر لها وارتداد عليها. إننا نشاهد في لوحة تعقيداً متيناً، بينما نلاحظ في لوحة ثانية مساحة مسطحة وخطوطية. ذلك يجعلنا في حيرة فنحن أمام لوحات محكمة ومصنوعة ومشغولة في الوقت الذي نحن فيه أمام مساحة فارغة تقريباً وشبه جوفاء وعبارة عن تخطيطات. هكذا فن فادي الشمعة يذهب في كل اتجاه، بل هو لا يبقى على اتجاه. إنه أمام خيارات متنوعة ومتعددة، وهو يلعب في هذه الخيارات ويجتلبها من كل مكان، ولا يهمه أن تكون متقنة محكمة أو أن تكون ساذجة بسيطة، أو أن تكون قاسية عنيفة. لا يهمه أن تكون اللوحة ملأى عضوية أو أن تكون شبه فارغة وشبه ساذجة. لا يهمه أن تكون اللوحة قاسية وعنيفة، أو أن تكون صبيانية وبدائية. لا يهمه أن تكون منسقة أو أن تكون فقط تلطيخاً دامساً. بل أنه لا يهتم بأن تجري اللوحات على أسلوب واحد أو أن ينتظمها أسلوب واحد، أو أسلوب ما، فلوحة فادي الشمعة هي نوع من الفن الحر والحر الى كل اتجاه والى كل مدى.