الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الإثنين 25 نوفمبر 2019 / 22:24

نتنياهو وإردوغان.. الرقص قبل شهقة الموت

كلاهما يبطنان ويعلنان العداء للعرب، ويتماهيان في الاعتداء على الأرض العربية في فلسطين وفي سوريا والعراق، ولعل أرقام التبادل التجاري وأعداد السياح تكشف زيف خطابيهما المعلنين حول الخلاف بين أنقرة وتل أبيب

أداء منفعل يخرج عن الوقار المفترض، وخطابات انفعالية يميزها الزعيق وإطلاق التهديدات، وتحريض للقاعدة الشعبية المفترضة لاستعراض عضلاتها في الدفاع عن "الزعيم" وحماية كرسيه العالي.. هكذا يكون حال القادة السياسيين الذين يقتربون من النهاية ويختارون المكابرة وإغماض عيونهم عن واقع شعبي غير مريح للحاكم المهدد بالخلع.

أداء يشبه الرقص المجنون في اللحظات الأخيرة التي تسبق النهايات الدرامية. هكذا كان حال عمر البشير وقبله زين العابدين بن علي، وهو الآن حال ميشال عون وحيدر العبادي وبنيامين نتانياهو ورجب إردوغان.

قبل سقوطه بأشهر قليلة لم يكن أحد يتوقع أن ينتهي مشوار البشير في زنزانة ضيقة، فقد عرف الرئيس السوداني السابق بقدرته على المواجهة، وكان يبالغ في تحدي المعارضة السودانية وفي استفزاز العالم كله بإصراره على الاستمرار في نهجه وحركته رغم تصنيفه مطلوباً لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

كان البشير يتكئ على تحالفه مع إسلاميي السودان الذين جاؤوا به إلى الحكم، قبل أن ينقلب عليهم ويسجن حسن الترابي، ويصر في الوقت نفسه على رفع يافطة الإسلام السياسي على قصر حكمه.

يعيد السيناريو اليوم الرئيس ميشيل عون الذي يتكئ على تحالفه مع حزب الله الذي فرضه رئيساً للجمهورية اللبنانية، ويغلق عينيه وأذنيه فلا يرى ولا يسمع هدير الشارع اللبناني العابر للطوائف.

في بغداد أيضاً يذهب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الخيار الصفري حين يختار مواجهة الانتفاضة الشعبية بالرصاص الحي، وهو يتكئ على مرجعية طائفية إيرانية الهوى في مواجهة شارع غاضب من نقص أو انعدام مقومات الحياة البسيطة في دولة يفترض أنها تعوم على بحر من النفط.
هذا حال بعض العرب، لكن حال جيران العرب في شرق المتوسط لا يختلف كثيراً، فالشارع الإيراني مشتعل ضد فساد الملالي، والمعارضة التركية كسرت حاجز الخوف وتصر على تحدي السلطان الجديد إردوغان الذي يحسم كل خلافاته مع المعارضة بقرارات الاعتقال، ويحشر عُشر أهل تركيا في السجون. وهو يتكئ في تشبثه بالحكم على عبور الجسر الإخواني إلى الباب العالي.

في تل أبيب أيضاً يختنق بنيامين نتانياهو سياسياً، ويعجز ليس فقط عن البقاء في الحكم، بل عن ضمان البقاء خارج السجن الذي ينتظره بتهم الفساد. وينفعل بطريقة تمثيلية مثيرة في هجومه على خصومه السياسيين واتهامهم بالخيانة والعمالة للعرب، ويتكئ أيضاً على مرجعية يهودية متطرفة تمثلها الأحزاب الدينية المتحالفة معه. ومن أجل إطالة بقائه في الحكم يبدو مستعداً لشن حرب على غزة.

هناك أوجه شبه كثيرة بين إردوغان ونتانياهو، فهما عاشقان للسلطة، وهما مستعدان للمغامرة بكل شيء من أجل البقاء في كرسي الحكم، وهما مستفزان للمعارضة، وهما ممثلان بارعان يجيدان الادعاء بالعبقرية.

لكن الأهم من كل ما تقدم أنهما يهربان من فقدان الثقة والولاء في الداخل إلى البحث عن الثقة والتعاطف في الخارج. وهكذا يستقوي نتانياهو بالمنظمات اليهودية في واشنطن للبقاء في الحكم في تل أبيب. ويحرض على عرب الخط الأخضر معتبراً إياهم طابوراً خامساً وحلفاء لقوى ترفع شعار القضاء على إسرائيل.

من جهته يفقد إردوغان ثقة الشعب التركي، ويعرف أن نصف الأتراك على الأقل لا يريدون بقاءه جاثماً على صدورهم، فيهرب إلى الشارع الإسلامي، ويستقوي بالاسلاميين، إخواناً ودواعش، ليصنع شعبية موهومة في العواصم العربية يعمل الإخوان المسلمون على ترسيخها عبر تقديم ما يسمونه "النموذج التركي"، وهو في الوقت نفسه يخوض حرباً ضد الأكراد في تركيا مكرراً اتهامات نتانياهو ذاتها فيصفهم بالطابور الخامس ويعتبرهم أعداء لتركيا لا لحكمه فقط.

هناك ما يجمع الاثنين أكثر مما تقدم، فكلاهما يبطنان ويعلنان العداء للعرب، ويتماهيان في الاعتداء على الأرض العربية في فلسطين وفي سوريا والعراق، ولعل أرقام التبادل التجاري وأعداد السياح تكشف زيف خطابيهما المعلنين حول الخلاف بين أنقرة وتل أبيب.
إنهم يؤديان الآن رقصة ما قبل شهقة الموت السياسي في منطقة فيها متسع كبير لمقابر السياسة.