من فيلم الجوكر.(أرشيف)
من فيلم الجوكر.(أرشيف)
السبت 30 نوفمبر 2019 / 20:46

الجوكر

نعرف عن آرثر أنه يريد أن يكون كوميدياً، لكننا لا نعرف إذا كان هذا الهدف أصيلاً. لا نعرف إلا أن آرثر يتلبس وجه المهرج

الجوكر هو الاسم الأخير الذي يتسمّى به آرثر ويخرجه من الجماعة. آرثر يبدأ دوره بنوع من الضحك لا ندري مصدره، إنه ضحك يكاد يكون نحيباً، لكنه مع ذلك ضحك قاس متشنّج لا نعرف إذا كان هزلاً أو توتراً، وهو ضحك يدخل في نفسه ويتواتر في نفسه ويمتد ليكرر ذاته ثم أنه تقريباً بلا نهاية ولا عنوان. لا نعرف من أين يصدر وماذا يحمل، إنه يصدر عن نفسه أو من نفسه ويحمل نفسه، وهو أيضاً أقرب إلى الشدّة، بل أن فيه شيئاً من العنف. إنه ضحك ملتبس بل ليس ضحكاً تماماً إنه ترداد لمدات عصبية. بل هو في تقطّعه وتواتره المتشنّجين لا نعرف له موضوعاً ولا نعرف له غاية. إنه الأقرب لأن يكون مرضياً وثمة إشارة في أول الفيلم الى أنه مرضي وإلى أنه لوثة أصابت صاحبها الذي لا يملك سلطة عليها رغم ذلك فإن هذا الضحك العصبي يتردد طوال الفيلم، ليس من فم صاحبه فقط، بل يتردد صاخباً من الجمهور الذي يبدو أيضاً غارقاً في ضوضاء متصلة موصولة. إنه أقرب الى أن يكون مرضياً وثمة إشارة في أول الفيلم إلى أنه مرضي، وإلى أنه لوثة أصابت صاحبه الذي لا يملك سلطة عليها. رغم ذلك فإن هذا الضحك العصبي يتردد طوال الفيلم ليس من فم صاحبه فقط. بل يتردد صاخباً من الجمهور الذي يبدو أيضاً غارقاً في ضوضاء تضل تنبعث، بوجود الجمهور وفي غيابه، وكأنها تعليق على مجريات الفيلم وكأنه فيلم مقابل حاضر في كل لحظة لينبعث. هذا الضحك العصبي المتوتر المتشنج هو في الغالب عنوان الفيلم ونواته. لكن هذا الضحك الذي ينطوي على درجة من الشدة والعنف هو أيضاً ضحك مضاد، بل هو لازمة الفيلم وإيقاعه ونواته.

نعرف عن آرثر أنه يريد أن يكون كوميدياً، لكننا لا نعرف إذا كان هذا الهدف أصيلاً. لا نعرف إلا أن آرثر يتلبس وجه المهرج. لكن هذا الوجه هو بين الهز والبؤس إنه مضحك بدون أن يكون مضحكاً. مهرج بدون أن يكون مهرجاً، هو أقرب إلى أن يكون بائساً ومتوتراً إنه مهرج بكل سمات المهرج لكنه مع ذلك يهرج حين يصطنع التهريج وحين يلعب التهريج. ذلك ما يجعلنا طوال الوقت نرى شيئاً ليس سوى السينما أو نرى ما يمكن اعتباره منذ البداية مصنوعاً ومؤلفاً. إنه اختراع السينما وفي كل جوانبه هو اختراع إننا نتذكر ونحن نرى شخصيات الفوتو رومان. ليس جوكر سوى باتمان وقبله سوبرمان.

إننا أمام شخصيات بل سوبر شخصيات. شخصيات في أصلها حيوانية.. لكننا لا نراها هنا تطير أو تزحف على الحيطان لن نراها طبيعية كالقصص التي صدرت عنها ولا نراها أليفة. ليس جوكر سوى باتمان وقبله سوبر مان أي أنه يعيد تأليف شخصيات الرومان فوتو. إننا أمام شخصيات بل سوبر شخصيات في أصلها حيوانية... لكننا لا نراها تطير أو تزحف على الحيطان لن نراها طبيعية أو قريبة. لن نشاهد وطواطاً يتسلق الى الطوابق العشرين، لن نراها تسبح في الجو فهي هنا ليست مما بنيت عليه من أصلها الحيواني، بل هي ذات أصل حيواني لكنها بالتأكيد ليست بشراً، إنها نوع من خليط كينوني بشري حيواني، لكن جوكر هو أيضاً هذا الخليط من ناحية أخرى. جوكر قد يكون فشل هذه الكينونة بل وفشل الكائن نفسه. إنه يعي فشله ويتقدم إليه، يعي فشله ويحققه يوماً بيوم، وكلما تقدم فيه كلما ظهر أن وراءه ما يزيد سوءاً. إنه في البداية كوميديان لكنه ليس حقاً أنه كوميديان، إنه يريد بهذا أن ينتمي مجدداً إلى المجتمع، لكن المجتمع يقلده وهو ينبذه وهو لا يستطيع أن يقاوم، لكنه من ضعفه ومن سخريته يستطيع أن يركّب لنفسه شخصية قاسية عنيفة لا ندري إذا كانت هكذا في الأصل إنه في البداية كوميديان لكنه ليس حقاً كوميديان، بل يريد أن ينتمي مجدداً للمجتمع لكن المجتمع ينبذه قبل أن يقلده في النهاية وهو لا يستطيع أن يقاوم لكنه يركب من ضعفه شخصية عنيفة، وهو بهذا العنف والشدّة يرد على المجتمع الذي ينبذه قبل أن يتحول المجتمع الى جوكرات وقبل أن يكرّم قساوته وعنفه ويحتفي بهما، فمتى يتحول جوكر الى قاتل مجاني تنبعث من داخله أكثر رغبته في أن يكون كوميدياً وصارماً في أن يتحوّل الى قاتل مجاني. تنبعث من داخله رغبته المزدوجة في أن يكون كوميدياً وقاتلاً، في أن يتحول الى قاتل ويحتفي به المجتمع على هذا الأساس. إنه شخصية مصنوعة من إنسان وحيوان، شخصية كينونية تمثل الكون كله وتبدو ككائن فرد من كائنات مندمجة.