الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج
الخميس 5 ديسمبر 2019 / 13:22

صفقة أردوغان مع السراج تقسم المتوسط شطرين

لفت سيث فرانتزمان، كاتب لدى منتدى الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب "ما بعد داعش: إيران والصراع على الشرق الأوسط"، إلى أن حكومة طرابلس تسيطر على نسبة صغيرة من البلاد، ولكن حاجتها إلى دعم تركيا دفعتها إلى توقيع اتفاق غريب مع أنقره، بشأن السيطرة على المتوسط.

أنقرة تتحدى اليوم جيرانها وتقول: "نحن نسيطر على المنطقة ما بين تركيا وليبيا، وبتنا نقسم المتوسط إلى نصفين"

 وتقول تركيا إن الصفقة التي وقعتها تاريخية، وأنها "أثبتت للعالم قدراتها بشكل يتطابق مع القانون الدولي، لكنها تؤشر أيضاً لنواياها المستقبلية في المنطقة".

وأثارت تلك الصفقة غضب اليونان التي هددت بعرض النزاع أمام هيئات دولية، وتقديم شكوى إلى الناتو. كما أن للصفقة تداعيات على مصر وقبرص وإسرائيل، لأن تركيا تسعى للسيطرة على مساحة واسعة من مياه المتوسط باعتبارها منطقة اقتصادية.

وحسب كاتب المقال، زار إسطنبول مؤخراً فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، لكن بات معروفاً أن حكومته الضعيفة كانت تجري منذ بعض الوقت مباحثات مع تركيا بشأن اتفاق يمنح تركيا إمكانية الاستفادة من منطقة صناعية في المتوسط. 

القصة الحقيقية
وبرأي الكاتب، تكمن القصة الحقيقية من وراء تلك الصفقة في سعي تركيا لتأكيد حضورها عبر العراق وسوريا وصولاً إلى ليبيا، وقد وضعت نصب عينيها حيازة سلطة لم تشهدها منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل 100 عام.

وتشير تقارير لسعي تركيا للسيطرة على المتوسط وتطبيق "رؤية الأبعاد الثلاثة"، ما يسمح لها بتوسيع حدودها البحرية، وإظهار أن مناطق مارمريس وفتحية وقاس الحدودية التركية هي فعلياً مجاورة لمناطق درنة وطبرق وبردية الليبية.

وتشير تركيا إلى تلك المنطقة بعبارة "الوطن الأزرق". ومن أجل استعراض قوتها، أجرت في العام الماضي تدريبات بحرية. وأشار وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، إلى هذا "الوطن الأزرق" باعتباره يضم منطقة تبلغ مساحتها 462 كيلومتراً مربعاً تمتد من البحر الأسود حتى بحر إيجه.
  
استعراض للقوة
وصرحت تركيا عبر وسائل إعلامها، وجميعها موالية للحكومة، أنها تنشر أصولاً بحرية "كاستعراض للقوة" وأنها غاضبة من إجراء دول أخرى عمليات حفر في المنطقة. وهكذا تبدأ تركيا، حسب الكاتب، بتوسيع حدودها وتضع في حسبانها عقد صفقات جديدة.

وتأتي السياسة التركية الجديدة في المتوسط في إطار فرض ضغط متزايد على قبرص، ومن خلال نظرة أنقره لحكومة طرابلس في ليبيا كجزء أساسي لتنفيذ أجندتها. وعلى سبيل المثال، كتب، على تويتر، مدير الاتصالات للرئيس التركي أردوغان أن "التعاون الأمني والبحري" يمثل جزءاً أساسياً من الدعم المقدم لإحدى الحكومتين في ليبيا.

وكما يلفت الكاتب، تعاني ليبيا من حرب أهلية منذ عام 2011. وفي العام الماضي، تمكنت قوات الجنرال خليفة حفتر، من فرض حصار ضد حكومة السراج. ويتوقع أن تمنح الصفقة التي وقعها السراج تركيا حقوقاً في مناطق ساحلية ليبية لا تخضع لسيطرة حكومة السراج، التي لا تسيطر سوى على قسم صغير من البلاد.

وقد زودت تركيا حكومة طرابلس بطائرات مسيرة وعربات عسكرية.

هدف أكبر
وحسب كاتب المقال، اتضح الآن أن الطائرات المسيرة وسواها من وسائل الدعم كانت جزءاً من هدف تركي أكبر بكثير. إذ تريد تركيا الوصول إلى ممر اقتصادي واستراتيجي يصل بين ساحلها وليبيا. ولا يشغل هذا الممر مساحة مائية صغيرة لأنه يمر عبر طريق التفافي من المياه المفتوحة، طوله 800 كيلومتر، حول قبرص واليونان نحو منطقة تسيطر عليها الجيش الليبي، الذي لن يعترف بهذه الصفقة، على كل حال.

وبرأي الكاتب، هذه هي استراتيجية تركيا في كل مكان. إنها تضع العالم أمام أمر واقع سواء عبر قصف في شمال العراق أو غزو في سوريا، أو إرسال قوات إلى قطر في عام 2017.

ويقول الكاتب إن تركيا تتوسع يومياً وتهدد دولاً أخرى، سواءً بإهانة فرنسا أو بتشبيه إسرائيل بألمانيا النازية، كما فعلت في الأمم المتحدة. ولا تلتزم تركيا بأية ضوابط، بل هي تعمل بهدوء من وراء الكواليس للترتيب لأشياء من نوعية هذه الصفقة في المتوسط. وسيكون أيضاً للصفقة تداعيات على مباحثات بين إسرائيل واليونان وإيطاليا وقبرص، وكذلك بشأن أية مباحثات تتعلق بخط أنابيب إيست ميد.

وخلاصة الأمر، يرى الكاتب أنقرة تتحدى اليوم جيرانها وتقول: "نحن نسيطر على المنطقة ما بين تركيا وليبيا، وبتنا نقسم المتوسط إلى نصفين".