الخميس 5 ديسمبر 2019 / 13:58

إنه خريف إيران.. إمبراطورية الفوضى في المنطقة تتهاوى

وصف الكاتب ديفيد روزنبرغ الاحتجاجات التي يشهدها لبنان والعراق بأنها ليست "ربيعاً عربياً" وإنما هي "خريف فارسي"، مشدداً على أن إمبراطورية الفوضى الإيرانية في الشرق الأوسط إلى زوال؛ لاسيما أن المظالم التي تثير الاحتجاجات تتجاوز أي شيء يمكن أن يتعامل معه نظام الملالي في طهران أو حتى القادة المحليون.

إيران لا تملك قوة اقتصادية لإقامة علاقات قائمة على التجارة أو الاستثمار أو التكنولوجيا، وليست لديها أيضاً القوة العسكرية التقليدية للتأثير على البلدان المجاورة

ويُشير روزنبرغ، في مقال بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إلى أن انتشار النفوذ الإيراني عبر الشرق الأوسط بدا لوقت طويل وكأنه أمر لا يمكن وقفه؛ إذ ظل لبنان طويلاً تحت سيطرة إيران من خلال حزب الله، ثم منحت الفوضى الناجمة عن الغزو الأمريكي للعراق فرصة لطهران لتوسيع نفوذها في العراق أيضاً، كما خلقت الحرب الأهلية السورية جسراً آخر للنفوذ الإيراني مثلما فعلت سيطرة حماس على غزة.

هيمنة إيران في خطر
ولكن كاتب المقال يرى أن مشروع الهيمنة الإيرانية بكامله بات الآن في خطر؛ حيث تستمر الاحتجاجات في العراق ولبنان منذ أسابيع، الأمر الذي أسفر عن ركود تام لاقتصاد البلدين وإجبار رئيسي وزرائهما (اللذين وافقت عليهما إيران) على التنحي. ولا تلوح في الأفق نهاية للاحتجاجات؛ لأن الزعماء العراقيين واللبنانيين عاجزون عن تلبية مطالب المحتجين دون تغيير نظام الحكم الذي يحافظ على بقائهم في السلطة.

ويقول الكاتب: "إن المواجهة بين المحتجين والسلطات ما هي إلا لعبة صفرية؛ فربما تفوز فيها الحكومات مؤقتاً، ولكن يتعين عليها القتال مرات عديدة أخرى لتخسر في نهاية المطاف".

وإلى ذلك، باتت المواقع الاستيطانية الأخرى للهيمنة الإيرانية في خطر أيضاً؛ حيث انتهت الحرب الأهلية في سوريا، ولكن البلاد لاتزال منقسمة بين الحكومة والمعارضة والأكراد والاحتلال التركي. وعلى الأرجح فإن الأزمة الاقتصادية التي اشعلت الاحتجاجات في العراق ولبنان يمكن أن تنتشر بسهولة في سوريا، بيد أنه نظراً لعدم تسامح الحكومة مطلقاً مع المعارضة، فإن التعبير العلني عن الغضب سيقود إلى تجدد القتال.

طموحات إيران الإمبريالية
أما في غزة، فقد أسفر الحصار الإسرائيلي وفساد حماس عن فقر مدقع وتزايد الغضب ضد الأشخاص الذين يتولون السلطة. وفي كل هذه الأماكن، تشكل الحكومات فعلياً جزءاً من الإمبراطورية الإيرانية؛ فالسياسيون المحليون موالون لطهران في العراق ولبنان وسوريا وغزة.

وبحسب الكاتب، ربما ينجح المحتجون العراقيون واللبنانيون العاطلون عن العمل الذين يناضلون من أجل البقاء في إسقاط طموحات إيران الإمبريالية في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي أخفقت في تحقيقه حتى الآن الضربات الإسرائيلية على سوريا وحملة الضغط القصوى ضد طهران.

وفي الوقت نفسه شهدت إيران أيضاً احتجاجات جماهيرية واسعة في الداخل وبات اقتصادها في مأزق، ولكن نظام الملالي يسيطر بصورة مباشرة على زمام الأمور داخل البلاد وتمكن من تهدئة الاضطرابات من خلال العنف وقطع الإنترنت، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للبلدان الشريكة لإيران، وذلك بسبب أن الامبراطورية التي بنتها إيران هي "إمبراطورية الفوضى".

ويلفت الكاتب إلى أن إيران لا تملك قوة اقتصادية لإقامة علاقات قائمة على التجارة أو الاستثمار أو التكنولوجيا، وليست لديها أيضاً القوة العسكرية التقليدية للتأثير على البلدان المجاورة. ولكن طهران تعتمد على القوة الناعمة للشيعة التي استفادت منها في الأماكن التي تقيم فيها أعداد كبيرة من السكان الشيعة. ولكن حتى هذه الاستراتيجية لها حدودها، ففي العراق اليوم الشيعة هم من يقودون الاحتجاجات ضد التدخل الإيراني.

إمبراطورية الفوضى
ويلفت الكاتب إلى أن المورد الرئيسي لإيران في بناء الإمبراطورية يتمثل في "الفوضى"، حيث ترسخ نفسها في الأماكن التي تكون فيها الحكومة ضعيفة (كما في لبنان والعراق)، أو يائسة (سوريا)، أو بلا أصدقاء ومن دون موارد (غزة). وتعزز طهران وجودها من خلال رعاية جماعات الميليشيات المحلية باعتبارها وكلاء، وخلق شبكة للمال والدعم مع السياسيين المحليين، واستغلال الانقسامات العرقية والطائفية.

ويقول الكاتب: "إن النظام الفعال لبلد ضعيف مثل إيران يريد أن يتصرف كقوة عظمى، ولكنه ليس نظاماً مستداماً. فعلى سبيل المثال، تعاني جميع الدول التي تهيمن فيها إيران في الشرق الأوسط من ضائقة مالية شديدة وتعثر اقتصادي حتى في العراق الذي تزدهر فيه صناعة البترول؛ إذ تعود الأرباح إلى نخبة صغيرة من السياسيين وزعماء الميليشيات، وعلاوة على ذلك تنتشر معدلات الفقر والبطالة، أما سوريا وغزة فهما في حالة سيئة لدرجة أن اقتصاداتهما بالكاد تعمل".

ويورد الكاتب أن لبنان كان ذات يوم مركزاً للتجارة والمصارف وحتى الآن لايزال يتمتع بطاقات بشرية موهوبة ومتعلمة رغم مغادرة الكثيرين منهم بسبب نقص الفرص. وكذلك يمتلك العراق رابع أكبر احتياط نفطي في العالم، وتم تصدير ما لا يقل عن تريليون دولار من المواد الخام منذ عام 2005. ولكن على الرغم من ذلك فقد فشل كل من لبنان والعراق لأن نظام الحكم الضعيف (الذي يخدم طهران بشكل جيد) قد خذل شعبه في لبنان والعراق بدلاً من أن يقوم بخدمته كما هو مفترض بالأساس.

الخريف الفارسي
ويقول الكاتب: "لا يمكن للحكومات الضعيفة الانخراط في سياسة اقتصادية جادة، وكما هو متوقع فقد بدأت في الانهيار، وتدفق العاطلون والفقراء إلى الشارع للاحتجاج، ولكن تكمن إشكالية طهران في أنها لا تمتلك الخبرة أو المال لمساعدة حلفائها المتعثرين على إصلاح اقتصاداتهم مثلما تفعل الولايات المتحدة أو المؤسسات الدولية. ومن ناحية أخرى فإن عملاء طهران من الحكومات فاسدون وأضعف بكثير من القيام بأي شيء بمفردهم".

ويختم الكاتب بأن الاحتجاجات الراهنة ليست مجرد ربيع عربي جديد أو طعنة أخرى لإسقاط الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي تخدم نفسها في المنطقة بعد المحاولة الأولى التي انتهت بصورة بائسة، ولكنها تتجاوز ذلك فهي بداية للانهيار التدريجي للتطلعات الإيرانية، ويجب أن يُطلق عليها "الخريف الفارسي".