الكردية المهجرة شارة شيدو تبكي ابنها الذي قتلته فصائل موالية لتركيا (أ ف ب)
الكردية المهجرة شارة شيدو تبكي ابنها الذي قتلته فصائل موالية لتركيا (أ ف ب)
الخميس 5 ديسمبر 2019 / 18:58

مسلحون موالون لأنقرة يرتكبون جرائم حرب في سوريا ضد الأكراد

تلقت شارة شيدو في رسالة عبر الهاتف الخبر المؤلم، فتحت النازحة من مدينة رأس العين بعد الهجوم التركي في شمال شرق سوريا الرسالة، وفق قولها، لتجد صورة جثة ابنها ملطخة بالدماء مرفقة بتعليمات "تعالي خذي جثة ابنك".

في مبنى متواضع لجأت إليه في مدينة القامشلي، تقول الكردية: "قتلوه بدم بارد"، ثم تبحث في هاتفها المحمول عن صورة تقول إنها لعنصر في أحد الفصائل السورية الموالية لأنقرة، اعترف بقتل ابنها ريزان، 38 عاماً.

وتضيف "هذا الوحش قتل ابني الجميل".

بعد أسبوع من سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها على رأس العين في الشهر الماضي، توجه ريزان مع ثلاثة من أصدقائه إلى المدينة لتفقد منزل العائلة وإحضار بعض الملابس لطفليه، إلا أنهم تعرضوا جميعاً مع سائق السيارة للقتل، قبل وصولهم إليها، وفق ما تروي شارة.

وفي عملية عسكرية أطلقتها ضد المقاتلين الأكراد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي واستمرت لأسابيع، سيطرت أنقرة وفصائل سورية موالية، على منطقة حدودية بطول 120 كيلومتراً بين مدينتي رأس العين شمال الحسكة، وتل أبيض شمال الرقة، قبل أن تعلق هجومها إثر وساطة أمريكية واتفاق مع روسيا.

جرائم حرب
ويتهم نازحون أكراد من المنطقة، ذات غالبية عربية خلافاً لغالبية المناطق الحدودية الأخرى ذات الغالبية الكردية، ومنظمات حقوقية، المقاتلين الموالين لأنقرة بالنهب وسرقة ومصادرة منازل وإعدامات، على غرار ما حصل في منطقة عفرين الكردية في 2018، بعد سيطرتهم عليها أيضاً. وهو أمر تنفيه تلك الفصائل.

يرتجف صوت شيدو أثناء حديثها، ترتشف المياه بين الحين والآخر لتهدأ نفسها قليلاً، قبل أن تقول: "أريد الحق لابني لأنهم أتوا ليقتلوا الأكراد، بات أطفال ابني أيتاماً".

تخرج شيدو إلى بهو المنزل المطل على الشارع، تضع الملابس على حبل الغسيل، وتلقي نظرة على الطعام. وتضيف الأم لخمسة أبناء متسائلة "ماذا يريدون منا؟ إنهم وحوش كاذبون لا يعرفون سوى القتل والنهب".

وهدفت تركيا بعمليتها العسكرية إلى إبعاد المقاتلين الأكراد، الذين تصنفهم "إرهابيين" عن حدودها، وإنشاء "منطقة أمنة" تعيد إليها قسماً من 3 ملايين لاجئ سوري لديها. إلا أن الأكراد يتهمونها بالتغيير الديموغرافي للمنطقة.

وأفادت وسائل إعلام التركية في الشهر الماضي، بأن نحو 70 سورياً، بينهم نساء وأطفال، عبروا من تركيا، إلى رأس العين.

نزوح كبير
وحسب الأمم المتحدة، بدأ نحو 100 ألف شخص من أصل أكثر من 200 ألف نازح بعد الهجوم التركي، العودة إلى المنطقة. إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان يوضح أن غالبية العائدين، من العرب وليسوا أكراداً.

في منزل لجأ إليه في مدينة القامشلي، يقلل النازح وأحد التجار الأكراد المعروفين من رأس العين مصطفى الزعيم، احتمالات عودته إلى مدينته.

وكان الزعيم يملك متجراً كبيراً للمواد الغذائية، ومحلات عدة في سوق المدينة، عدا عن المنازل، لكنها كلها باتت من الماضي.

ويقول: "سرقوها كلها ونهبوها"، مضيفاً "لم يبق منها شيئ والآن يقيمون في منزلي ومنازل أخوتي".

تواصل أشخاص، وفق قوله، معه عبر الهاتف بعدما حصلوا على رقمه المكتوب على لافتة محله.

ويقول: "طلبوا مني 15 ألف دولار ليحافظوا على أملاكي، لكنهم يكذبون، أرسلنا أشخاصاً ليتأكدوا من محتويات المحل والمستودعات، فقالوا إنها فارغة".

ويضيف "المدينة لم تعد آمنة ولا نفكر في العودة دون ضمانات دولية لنتأكد أننا سنكون بخير".

إعدامات
واتهمت منظمة العفو الدولية الفصائل الموالية لأنقرة بارتكاب "جرائم حرب" وقتل.
 وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) إن، الفصائل "أعدمت مدنيين خارج القانون"، و"منعت عودة العائلات الكردية النازحة بسبب العمليات العسكرية التركية، ونهبت ممتلكاتها، واستولت عليها، أو احتلتها بصورة غير قانونية".

واعتبرت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، أنه "طالما تسيطر تركيا على هذه المناطق، عليها تحمّل مسؤولية التحقيق في الانتهاكات، ووقفها"، مشيرةً إلى أن "الجماعات التي تستخدمها لإدارة المنطقة، تُميز على أُسس عرقية".

وبدوره، اعتبر الجيش الوطني السوري، الذي تنضوي فيه فصائل موالية لأنقرة، أن تقرير هيومن رايتس ووتش "يتضمن مغالطات علمية ومنهجية" بسبب "أحكام وتعميمات منافية للواقع"، داعياً المنظمة إلى سحبه.

إلا أن المخرج الكردي تيمور عفكدي، يقول ببساطة إن "الاحتلال بكل أشكاله، هو أكبر انتهاك".

قبل أشهر من الهجوم التركي، عاد عفكدي ليستقر في مدينته رأس العين بعدما كان لاجئاً في تركيا. لكنه وجد نفسه مضطراً إلى مغادرتها مرة أخرى، وبات نازحاً في مدينة القامشلي. ويتهم اليوم مقاتلين موالين لأنقرة بحرق منزله.

يأخذ عفكدي، الأب لطفتين، نفساً عميقاً من سيجارته، ويقول لفرانس برس: "أحرقوا منزلنا بكل محتوياته، كان هناك أكثر من 500 كتاب".

ويضيف "هذه الكتب كانت عبارة عن هويتنا الفكرية، والقومية الكردية".

لم يفقد عفكدي الأمل، ويقول: "حين خرجنا لم نغلق أبوابنا لأننا نفكر في العودة".