مشهد من أوبريت يا ملاك السلام الفلسطينية (أرشيف)
مشهد من أوبريت يا ملاك السلام الفلسطينية (أرشيف)
الخميس 5 ديسمبر 2019 / 19:47

"يا ملاك السلام".. البؤس في حالته القصوى

يمكن ببساطة، لا تخلو من الدقة، تصنيف "أوبريت يا ملاك السلام" التي أنتجها تلفزيون فلسطين أخيراً، ضمن الحوادث المؤسفة التي تصيب الفلسطينيين، كأن تعتبره حادث سير ذاتي تسبب في الكثير من الخسائر للمركبة، والركاب، والرصيف، والطريق، والمارة، وأعمدة الكهرباء.

كيف تفهم "السلطة الفلسطينية" دور الإعلام في المواجهة مع الفاشية الاحتلالية التي توحشت تماماً، وكيف تقدم قضية شعبها للعالم

بالنسبة للمشاهد العادي الذي وجد بالصدفة أو لأسباب قاهرة أمام شاشة الفضائية الفلسطينية، لم تكن هناك مفاجأة في الأمر، كان واضحاً أن هذه المركبة المتهالكة المثيرة للجلبة، قليلة الفائدة والضارة في أحيان أخرى، ستتسبب في حوادث كثيرة، وستشكل خطراً على المارة والطريق، وهو بالضبط ما حدث.

ليس واضحاً كيف تدحرجت فكرة "يا ملاك السلام" وكيف جرى الترويج لها، نتحدث مجازاً عن عمل فني غنائي جماعي مُكلف، أقرب الى استعراض بمشاركة عشرات الموسيقيين، والمغنين، والجهات الرسمية بما فيها، أجهزة أمنية، وغير الرسمية التي وجه المنتجون لها الشكر في نهاية العرض، لمساهمتها فيه أو تقديم التسهيلات لتمرير العمل، وإيصاله إلى الجمهور بالشكل الذي وصل لنا.

سنعرف مبكراً بمساعدة صور تبثها شاشة ضخمة، أن المقصود بالمنادى هنا، والذي أطلق عليه، دون رأفة ودون تبصّر، لقب "ملاك السلام" هو الرئيس الفلسطيني محمود عبد عباس. الشاشة تتوسط المدرج حيث يتوزع تشكيل مدروس من عشرات الأشخاص بملابس تشي بتخصصات يغلب عليها الزي الرسمي، شرطة، ودفاع مدني، وحراسات، ينتشرون في جنبات المدرج وعلى أرضية العرض.

المتتبع للكلمات، وهو عمل يحتاج الكثير من الصبر والتسامح المعرفي واللغوي، سيعرف أن الصفات المبذولة بكرم لا حدود له، تقصد أبو مازن، رغم الانزياحات التي يتطلبها عمل من هذا النوع والتي جعلت من العرض برمته مثاراً للسخرية الشعبية.

الممرات التي تدحرجت عبرها الفكرة حتى تم تجسيدها، ودفعها بهذه الثقة الغريبة نحو التلقي، تكشف تماماً هشاشة المنظومة الإعلامية الفلسطينية، وسذاجة أدائها وضعف الكفاءة والمهنية، ويكشف، ما هو معروف، من سطحية ثقافتها، وافتقارها المحزن للحساسية السياسية، وقراءة الواقع.

"يا ملاك السلام" عمل رديء يُضاف إلى سلسلة طويلة من الأخطاء التي تواصل هذه المنظومة مراكمتها بدأب، والتي كانت وراء "ترانسفير" جماعي عن الفضائية الفلسطينية، والسبب الكامن خلف العزوف الشعبي عن الخطاب الرسمي الفلسطيني.

استمعت للعمل مرة واحدة بعد أن وصلني عبر أصدقاء، وأمس حاولت العثور عليه دون جدوى، إذ يبدو أنه سُحب من التداول من قبل المستخدم نفسه كما يفيد الرد الإلكتروني، ولكنه عاد للشبكة من جديد، دون أن تتحسن مؤشرات رفضه التي تحولت إلى فضيحة.

الاستماع لمرة واحدة للاستعراض يكفي للحكم عليه فنياً، وهو عمل هابط ومتملق بامتياز، ولكن ما يدفع للكتابة عن مثل هذا التصرف من قبل المنظومة الإعلامية الفلسطينية، وللإنصاف فالأمر لا يتعلق بوزارة الإعلام، ويرتبط ويتعلق بقوة في الفضائية الفلسطينية نفسها، يتجاوز حادثة إنتاج عمل فني هابط ويتعلق بالمفاهيم، ويذهب أبعد ليناقش بنية المؤسسة الإعلامية الفلسطينية، بما يشمل الفلسفة، والثقافة، والكفاءة.

ويصل إلى السؤال الأهم حول كيف تفهم السلطة الفلسطينية، دور الإعلام في المواجهة مع الفاشية الاحتلالية التي توحشت تماماً؟ وكيف تقدم قضية شعبها للعالم؟ وكيف تدير مواجهتها مع المشروع الأمريكي الذي يعمل، بطريقة أو أخرى، مثل مشرع لبرنامج تصفية القضية الفلسطينية ويبتكر في أحيان كثيرة وسائل التصفية، عبر أداء هو الأكثر صلافة في تاريخ الولايات المتحدة الداعم لدولة الاحتلال؟.

كيف يقرأ الخطاب الفلسطيني التحولات الجارية في المحيط العربي، وما كان يسمى الى حين "الجبهة الشرقية"، لبنان، والعراق، وسوريا على سبيل المثال؟.

كيف يواجه الإعلام الرسمي حالة الانقسام والحصار والتفكك في الواقع السياسي الفلسطيني؟.

حول الفلسفة التي تقف وراء قرارات التعيين وتسليم المهمات والمسؤوليات....إلى آخر هذه الأسئلة.

هكذا دون جهد التحليل تجد نفسك، من جديد، أمام فكرة ضارة تعكس نموذجاً بائساً من الثقافة، ونمطاً يمزج بين الانتهازية والابتذال، والمفاهيم المتخلفة للولاء، كما لو أن لديك الوقت والجهد لتُصغي لأى مدائح بائسة ومكلفة لـ"الرئيس" بينما يتدفق اللبنانيون، والعراقيون على الساحات والجسور في مديح مذهل للحرية والشجاعة.