زعماء الناتو في قمتهم الأخيرة في لندن.(أف ب)
زعماء الناتو في قمتهم الأخيرة في لندن.(أف ب)
الجمعة 6 ديسمبر 2019 / 15:23

الوحدة الروحية للغرب على المحك...التباعد يتزايد في الناتو

يعتبر حلف الناتو تجسيداً مادياً لفكرة القيم الأوروبية المشتركة، لكن لقاءً جمع في لندن مؤخراً زعماء دول الحلف كشف مدى التباعد بينهم.

عندما اجتمع، قبل يومين في لندن، قادة التحالف العسكري الأكثر ديمومة في العالم، في ظل شجارات صغيرة وخلافات فلسفية كبيرة، سادت شكوك في فكرة الاتحاد الروحي ذاتها

وتأسس حلف الناتو بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حينما رأى وزير الخارجية البريطاني، إرنيست بيفن، في 1948، أن هناك حاجة ماسة" لتنظيم النفوس الطيبة في الغرب لمواجهة حالة الاستبداد الناشئ في الاتحاد السوفييتي". وأبدى رغبته في تشكيل "اتحاد روحي أوروبي".

وبعد ذلك بسنة، تم تشكيل حلف الناتو تلبية لرغبة بيفن، ولكن توم ماكتاغو، كاتب لدي موقع "ذا أتلانتيك" الأمريكي، لفت إلى أنه عندما اجتمع، قبل يومين في لندن، قادة التحالف العسكري الأكثر ديمومة في العالم، في ظل شجارات صغيرة وخلافات فلسفية كبيرة، سادت شكوك في فكرة الاتحاد الروحي ذاتها.

تهديدات وجودية

ويرى كاتب المقال أنه، في القرن الحادي والعشرين، بعد زوال الاتحاد السوفييتي منذ وقت طويل، ومع بروز تهديدات وجودية جديدة لقيم غربية – بدءاً من خطر استراتيجي تمثله الصين، وصولاً إلى العقيدة الشمولية للجهادية الإسلامية، ومن ثم نموذج "الديمقراطية غير الليبرالية" ممثلة في هنغاريا وتركيا- تبدو فكرة وحدة الغرب الروحية التي يجسدها الناتو غير متماسكة أكثر من أي وقت منذ 70 عاماً.

وفي هذا السياق، يسأل الكاتب ما الذي يربط بين فيكتور أوربان زعيم هنغاريا ورئيس الوزراء الكندي، جوستين ترودو، أو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أو رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل؟

ووصل الأمر لدرجة أنه، خلال اليومين الماضيين، شكك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتزامات تركيا حيال مبدأ الحلف للدفاع الجماعي، كما هاجم ماكرون تدخل تركيا في سوريا، وأشار ترامب لعزم الولايات المتحدة على فرض رسوم جمركية على حلفاء في الناتو. لذا نجد هنا بأن اتحاداً روحياً لم يعد متماسكاً، وأعضاءه عاجزون عن الاتفاق حول ماهيتهم، أو حيال من يدعمون، أو تحديد عدوهم الرئيسي.

مهمة صعبة
وحسب كاتب المقال، كانت مهمة أول أمين عام للحلف، هاستينغ إسماي، مساعد تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية، أسهل بكثير بالمقارنة مع مهمة الأمين العام الحالي. فقد تلخصت تلك المهمة بإبقاء الاتحاد السوفييتي خارج الحلف، وإدخال الأمريكيين إليه، وإبقاء الألمان ضعفاء". ولكن مهمة الأمين العام الحالي للحلف، ينس ستولتنبيرغ، رئيس الوزراء النرويجي الأسبق، هي أصعب بكثير. فقد زال الاتحاد السوفييتي ويبدو الألمان راضين عن "ضعف مشاركتهم العسكرية" لدرجة أن الرئيس الأمريكي شكك في التزامهم بالحلف ككل. ويضاف إلى كل ذلك العداوة الشخصية التي تبدت بين الزعماء خلال الأسبوع الجاري، وحيث انتهت القمة مع إلغاء ترامب مؤتمراً صحفياً بعدما انتشر فيديو يسخر فيه ترودو وماكرون وجونسون منه.

إلى ذلك، استبق ماكرون لقاء لندن الأخير بالحديث عن مشاكل تواجه حلف الناتو، ووجوب معالجة تراجع خطاب الولايات المتحدة حول التزامها بالأمن الجماعي الأوروبي. وقال لمجلة "إيكونوميست": "ينبغي إعادة تقييم واقع الناتو في ضوء التزامات الولايات المتحدة. ونحن اليوم بحاجة لتوضيح ما هي الأهداف الاستراتيجية التي نريد تحقيقها في حلف الناتو".

وأبدى ماكرون غضبه خاصة حيال الغزو التركي لشمال سوريا، وهو يعتقد أن الولايات سمحت به ضمنياً، ويرى أن الغزو ساعد إرهابيين يمثلون خطراً أمنياً.

سيناريو واقعي
ويرى كاتب المقال أن لا سيناريو واقعياً في المستقبل المنظور توازي من خلاله قوة أوروبية جامعة قوة الولايات المتحدة وإرادتها السياسية وقدرتها على العمل.

إلى ذلك يرى خبراء أن الناتو يمر بمرحلة من الشك الذاتي. ولكن، حسب الكاتب، يمضي العالم قدماً وذلك يعني أن الناتو لا يستطيع الثبات في مكانه. وطوال الحرب الباردة، عندما كان للحلف عدو واضح، جرت مناقشات حادة حول مزايا سياسات الضربة الأولى واستخدام أسلحة نووية تكتيكية. ولكن شهدت نهاية الحرب الباردة تحديات جديدة تتعلق بتوسع الحلف والتطهير العرقي عند عتباته.