الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 / 12:13

أوروبا المدينة للأكراد.. عاجزة عن لجم أردوغان

انتقد الباحث صلاح الدين أحمد موقف القادة الأوروبيين الذين يتظاهرون بتأييد القوات الكردية، في الوقت نفسه يرفضون فيه وقف اعتداءات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عليهم، مع مطالبة الأكراد بالاستمرار في قتال داعش.. نيابة عن الغرب.

إخفاق أوروبا في مواجهة أردوغان، وتحديداً في ما يتعلق بدعمه الصارخ للجهاديين ضد الأكراد والإيزيديين وغيرهم من الأقليات على مدى السنوات السبع الماضية، لم يسفر إلا عن تشجيعه لمواصلة حملته ضدهم

ويُشير الباحث، في مقال بصحيفة "جيروزاليم بوست" إلى أنه رغم استمرار مواجهة الأكراد في روجافا شمال شرق سوريا، للإبادة الجماعية من الجيش التركي والميليشيات الجهادية المرتزقة بشكل علني، إلا أن رؤساء الغرب استقبلوا أردوغان في قمة الناتو لـ2019.

إخفاق في مواجهة أردوغان
وفي 2 ديسمبر (كانون الأول)، يوم وصول أردوغان إلى لندن، قتلت القوات التركية 11 مدنياً كردياً، بينهم ثمانية أطفال، في هجوم بالمدفعية على مدرسة في بلدة تل رفعت.

ويعتبر الباحث أن هذا هو أسلوب "السلطان" أردوغان في توجيه رسالة تحد واضحة لأعضاء آخرين في حلف الناتو، رداً على عدد قليل جداً من شكاوى البعض، وعلى استحياء في التحالف من الاعتداءات التركية على الأكراد السوريين.

ويؤكد الباحث أن إخفاق أوروبا في مواجهة أردوغان، ودعمه الصارخ للجهاديين ضد الأكراد والإيزيديين وغيرهم من الأقليات على مدى الأعوام السبعة الماضية، لم يسفر إلا عن تشجيعه ضدهم، واستغل أيضاً أردوغان مواطن الضعف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والدليل على ذلك، توقيت انطلاق الغزو العسكري التركي الأخير ضد روجافا الذي جاء بعد المحادثة الهاتفية الغامضة بين أردوغان والرئيس ترامب في بداية أكتوبر(تشرين الأول) الماضي.

ويستبعد الباحث أن يتخذ ترامب وإدارته موقفاً يلتزم بالمبادئ، ومع غياب القيادة الأمريكية باتت الحاجة إلى التدخل الأوروبي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

إبادة جماعية
ولكن رغم استمرار الزعماء الأوروبيين في التظاهر بتأييد تضحيات القوات الكردية في روجافا، إلا أنهم يرفضون المبادرة بأي شيء جوهري لوقف اعتداءات أردوغان، وفي الوقت نفسه يشددون على ضرورة مواصلة الأكراد لقتال داعش في سوريا، نيابة عن الغرب. وعلاوة على ذلك، تُركت للأكراد مهمة رعاية الآلاف من سجناء داعش الأوروبيين، وعائلاتهم الذين ترفض بلدانهم الأصلية عودتهم.

ومع ذلك، لا تتمثل الإشكالية حسب الكاتب، في مجرد قلة اكتراث أوروبا بمحنة الأكراد، وإنما في تواطئها في الإبادة الجماعية التركية للأكراد، والذي يُعد المصدر الرئيسي للغضب العام في روجافا، بحجة أن المشروع الاستعماري للقرن الحادي والعشرين يشنه عضو في حلف الناتو، باستخدام أسلحة وأموال الغرب.

ويوضح الباحث أن هذا لا يعني بالطبع أن الزعماء الأوروبيين يتآمرون مع أردوغان على الأكراد، ولكنهم عمدوا إلى التنازل عن كل ما يمثله المشروع الأوروبي لتحقيق أهداف سياسية قصيرة الأمد.

ويقصد الباحث باختصار، أن الدول الأوروبية دفعت لأردوغان مقابل حماية بوابة جنوب شرق أوروبا مما يعتبرونه تهديداً وجودياً، أي تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط.

ويضيف الباحث "من الواضح أن صعود الفاشية الجديدة في أوروبا يشكل مصدر قلق كبير، بيد أن التهديد الأكثر أهمية هو تداعيات خوف الليبراليين المحافظين من الآخر، غير الأوروبي. إن الخوف الذي يسود أوروبا الآن ويحفز النظرة القبلية والشوفينية والإقصائية، ينعكس بشكل واضح في علاقة أوروبا مع أردوغان. ومن المثير للسخرية أنه بينما يتجاهل السياسيون المبادئ التي طالما كانت أوروبا تمثلها وتدافع عنها، فإن تلك الرؤية هي بالتحديد ما يجذب اللاجئين إلى حدودها".

طموحات أردوغان 

ويصف الباحث عقد صفقات مع أردوغان للسيطرة على "أزمة" اللاجئين بخطأ سياسي كارثي سينطوي على تداعيات عالمية، إذ تتجاهل أوروبا أن أردوغان، بصفته أقوى زعيم إسلامي في العالم، يقدم نفسه لملايين الجهاديين باعتباره الخليفة الذي سيعيد إحياء الخلافة العثمانية.

ومثلما ارتكبت الإمبراطورية الرومانية خطأ قاتلاً مماثلاً، عندما اعتمدت على البرابرة الأوروبيين لحماية بواباتها، فإن التحالف الأوروبي مع أردوغان، ربما يقود إلى تدمير المشروع الأوروبي إلى الأبد.

ويلفت الباحث إلى أن تدمير أوروبا لن يكون على أيدي اللاجئين الفارين من اضطهاد الفاشية القومية والدينية، ولكن القوى الفاشية نفسها التي أرغمت ملايين كثيرة من الناس على أن يصبحوا لاجئين، ستنقلب على أوروبا بمجرد أن تتاح لها الفرصة.

ويخلص الباحث إلى أن قيم الإنسانية العالمية التي تأسس عليها المشروع الأوروبي باتت مهددة. ورغم أن إرث المشروع الأوروبي، هو إرث عالمي وشمولي، إلا أن قادة أوروبا يواصلون تمكين أردوغان من تحقيق طموحاته الاستعمارية.

ويختم الباحث قائلاً: "يشهد العالم الآن كتابة فصل آخر في تاريخ الفاشية، وربما تكون روجافا الضحية التالية لرؤية أردوغان المدمرة، ولكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة".