مسلحون عشائريون في العراق (أرشيف)
مسلحون عشائريون في العراق (أرشيف)
الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 / 15:41

عشائر العراق في مواجهة الاحتجاجات: "نحن أولياء الدم"

لطالما كانت العشائر في العراق عامل توازن بين الشارع والسلطة على امتداد العقود، ولكن حين تغيب الدولة، وتسيل الدماء في احتجاجات مناهضة للسلطة في البلاد، يعود كل عراقي إلى عشيرته التي ترفع شعارها "نحن أولياء الدم".

وبقوانيها وأعرافها وعاداتها وتقاليدها التي لا يستطيع أحد التهرب منها، والسلاح الذي تمتلكه، أصبحت العشائر اليوم من أبرز اللاعبين في العراق، أحد أكثر البلدان فساداً في العالم.

وتتواصل التظاهرات في جنوب البلاد ذي الغالبية الشيعية ضد نظام الحكم، وأضرم فيها المحتجون النيران في عدد كبير من المؤسسات الحكومية، ومقار الأحزاب احتجاجاً على الفساد، ونقص الخدمات واتساع نفوذ الفصائل المقربة من إيران.

وفي بلد نحو 60% من سكانه دون الـ 25 من العمر، يعيش ثلاثة أرباعهم في المدن، انسلخ كثيرون من العراقيين الشيعة عن هويتهم العشائرية في السنوات الماضية، حسب فيليب سميث من "معهد واشنطن" للأبحاث.

وأضاف سميث أن "تلك الروابط تعززت اليوم على غرار كل مرحلة حساسة في العراق، إذ أنه في مواجهة حكومة مركزية ضعيفة للغاية وقوة خارجية، إيران يُنظر إليها على أنها داعمة للحكومة، يقول العراقيون لأنفسهم من الأفضل أن نتجه نحو مصادر القوة التي سبق وجربناها".

وعندما سادت الفوضى أخيراً في الناصرية جنوباً، بقرار من لواء أرسلته بغداد لفرض النظام، كان مقاتلو العشائر هم من قطع الطريق على التعزيزات الأمنية، وأوقف هؤلاء حمام الدم في المحافظة التي سقط فيها 97 قتيلاً، وفقاً لمصادر طبية، معظمهم من المتظاهرين الشباب الذين قتلوا بالرصاص الحي في مدينة الناصرية، مسقط رأس رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.

وأسفرت أعمال العنف المستمرة منذ انطلاق الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق في 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن مقتل أكثر من 450 شخصاً وإصابة أكثر من 20 ألفاً بجروح.

ويقول الشيخ قيصر الحسيناوي من عشيرة الحسينات في الناصرية: "العشائر هي التي ساهمت في إيجاد حلول للأزمة، والسياسيون لم يتحركوا"، وقدمت 100 عائلة بالفعل شكوى ضد اللواء جميل الشمري الذي قاد القمع في الناصرية، وحظيت تلك العائلات بدعم العشائر.

وفي بلد لا تزال "الدية" فيه بعيدة عن القنوات القضائية الرسمية، وتأتي نتاج اتفاق وجلسة فصل بين العشائر، يقف شيوخ الناصرية اليوم إلى جانب عائلات ضحايا القمع، مطالبين بالقصاص من الذين تسببوا سقوط الشهداء، وتبرأت عشيرة الشمري من ابنها، اللواء المفصول، بدل الدفاع عنه.

ولا تزال العشائر حتى اليوم تتدخل للحد من العنف، رغم أن لها تاريخاً طويلاً في المقاومة، خاصةً في 1920 عندما كان لها دور حاسم في الاستقلال عن الاستعمار البريطاني.

فإذا اضطرت إلى حمل السلاح، يؤكد رجال شرطة يقفون منذ شهرين في مواجهة التظاهرات، أنهم يفضلون الانسحاب على المواجهة، لأنهم يرون أن الدولة عاجزة عن حماية رجالها من القانون العشائري.

وكانت العشائر دائماً مفتاح العودة إلى الهدوء في مناسبات عدة، لأنها رجالها في كل مكان، بين المتظاهرين، ورجال الشرطة، وفي الحكومة، وصار ذلك نقطة قوة للعشائر لتعزيز مكاسبها السياسية والاقتصادية، في واحد من أغنى دول العالم بالنفط، والذي تنخره المحسوبيات.

ويرى الباحث في مركز "اي نيو أميريكان سيكيوريتي" نيكولاس هيراس، أن العشائر اليوم تسعى إلى إعادة التفاوض على العقد الاجتماعي، ففي مدينة البصرة النفطية في أقصى جنوب العراق، تتظاهر العشائر بشكل روتيني بسلاحها، الثقيل أحياناً، للحصول على وظائف، وعمولات من شركات النفط، عراقية كانت أم أجنبية.

ولكن الأزمة هذه المرة أعمق بكثير، ويشير هيراس، إلى أن "غضب العشائر اليوم على المسؤولين في بغداد المتهمين بالإخلال بجانبهم من العقد الاجتماعي، الذي يقضي أن يكون شيخ العشيرة قناة موارد لأفراد عشيرته، مقابل أن يقدموا له هم الولاء المطلق".

ووسط بنية تحتية محتضرة، ونقص في الموارد، فإن الدولة عاجزة عن الاستجابة إلى مطالب العشائر، ويقول سميث: "إذا نجحت السلطات مجدداً في تلبية مصالح واحتياجات العشائر المختلفة، يمكن إحياء العلاقة، لكن المهمة كبيرة لأن جسوراً عدة قد قطعت"، وأضاف أن "الوظيفة لا تكفي لشراء من أثقل فساد المؤسسات وسوء إدارة الدولة كاهلهم"، وأوضح "لا يجب أن ننسى شيئاً، وهو أنه لا يمكن شراء عشيرة أبداً، بل يمكن استئجارها".