الخميس 12 ديسمبر 2019 / 11:25

الركائز الأربع للعقد الاجتماعي في إيران... تنهار

تسلط موجة الاحتجاجات التي شهدتها إيران أخيراً الضوء على انفراط العقد الاجتماعي في البلاد.

شكلت تلك الأعمدة، ولكل منها أهميتها، مبادئ توجيهية لدعم قرارات السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية

وتذكر سنام وكيل، الباحثة البارزة، ونائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مؤسسة "تشاتام هاوس" باعتماد السلطة في إيران، طيلة أربعة عقود، على أربع ركائز، وهي إعادة توزيع الثروات، والعدالة الاجتماعية، واستقلالية السياسة الخارجية والإسلام، ونمط منظم للشرعية الانتخابية.

وشكلت تلك الأعمدة، ولكل منها أهميتها، مبادئ توجيهية لدعم قرارات السياسة الداخلية، والخارجية الإيرانية. ولكن اتضح، بعد أحدث جولة من الاحتجاجات التي عمت إيران، أن تلك الأسس آخذة في الانهيار.
  
ففي منتصف ليلة 15 نوفمبر( تشرين الثاني) الماضي، أعلنت الحكومة الإيرانية مدعومة من المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، ورئيس البرلمان علي لاريجاني، ورئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، رفع أسعار الوقود 200%، بهدف توفير تحويلات نقدية للسكان.

وفي رد فعل فوري، خرج الإيرانيون إلى الشوارع تعبيراً عن غضبهم، على الخطوة، وعلى تنامي المظالم الاقتصادية والسياسية.

وفي الأيام اللاحقة تلى اندلاع احتجاجات شملت 100 مدينة إيرانية، بما فيها جامعات وبازارات، وأعقبها قطع للانترنت لمدة أسبوع، وقمع وحشي أدى لمقتل ما لا يقل عن 200 شخص، واعتقال 7000 آخرين.

وفي بداية الأمر، تركز الغضب الشعبي على ارتفاع الأسعار، لكنه سرعان ما تحول نحو القيادة السياسية، وضعف الإدارة الفعالة وتفشي الفساد.

انتخابات
وفي رأي كاتبة المقال، فإن هذه الموجة من الاحتجاجات هي الرابعة في إيران خلال عشرين عاماً، بعد  1999، و2009، و2017، وتأتي في وقت تتعرض فيه الحكومة الإيرانية لضغط اقتصادي شديد بفعل حملة ضغط قصوى تفرضها واشنطن. 

وتمثل الاحتجاجات، حسب الكاتبة، بعضاً مما يذكّر بانفراط العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع في إيران، والذي سويعاود الظهور، إن لم يُصلح.  

ومع استئناف خدمة الانترنت، وانتشار الأخبار عن وحشية النظام، يحاول المحافظون والإصلاحيون النأي بأنفسهم عن هذه الأزمة الداخلية، وتغيير مواقعهم استباقاً للانتخابات البرلمانية في 2020.

ويتوقع إجراء الانتخابات البرلمانية لاختيار 290 نائباً، في 21 فبراير(شباط) المقبل.

ووسط مخاوف من لا مبالاة شعبية وضعف المشاركة السياسية، يحاول كل من الإصلاحيين والمحافظين ابتكار استراتيجيات لتحقيق أقصى قدر من المكاسب عبر صناديق الاقتراع.

لا مبالاة شعبية
وتشير كاتبة المقال إلى أنه، حتى قبل تلك الاحتجاجات، كان من المتوقع أن يقل إقبال الناخبين عن المعتاد، بعد أن وصلت المشاركة في انتخابات بلدية طهران في يوليو( تموز) 2019 مثلاً إلى أدنى  9٪ فقط. واستعداداً لهذا التحدي، خفض البرلمان الإيراني عتبة التصويت للحصول على نتيجة صالحة، من 25% إلى 20%.

بارومتر
وتعتبر الكاتبة أن الانتخابات في إيران غير حرة أو نزيهة، بأي حال من الأحوال، تبعاً لتدقيق مجلس صيانة الدستور في أسماء المرشحين، ولكنها لطالما كانت بمثابة بارومتراً لقياس نسبة المشاركة والدعم الشعبي. لكن لطالما كانت المشاركة في انتخابات الرئاسة في إيران أعلى عموماً من المشاركة في الانتخابات التشريعية.

وعند الإعداد للانتخابات، تحاول جماعات محافظة حشد الناخبين بالاستفادة من إحباطات شعبية وخيبة أمل في الإصلاحيين، ومخاوف أمنية إقليمية أوسع، علاوة على توترات مع الولايات المتحدة.

لقد ضعف موقف إصلاحيين مرتبطين بحكومة روحاني، دعموا الاتفاق النووي الإيراني، بسبب حملة الضغط والعقوبات الأمريكية. كما يُحمل هؤلاء مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي، والعجز عن تغيير نظام سياسي يمنح مزيداً من السلطات لشخصيات غير منتخبة.

مأزق
وفي خضم هذا المأزق، واصل روحاني الدعوة إلى استفتاء وطني دون جدوى، فيما يناقش إصلاحيون كيفية تقديم أنفسهم، ودعا بعضهم إلى مزيد من المساءلة، حتى لا تشملهم حملة القمع التي تشنها الحكومة. ودعا إصلاحيون بارزون، مثل الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الإصلاحيين للبقاء موحدين وتجنب مقاطعة الانتخابات، ولم تتضح بعد كيفية تطويرهم استراتيجيتهم بعد الاحتجاجات.

فإذا منع مجلس صيانة الدستور عدداً كبيراً من الإصلاحيين من الترشح، ترى كاتبة المقال أن مقاطعة الانتخابات ستكبر وتتوسع، وربما تثير احتجاجات جديدة.

وبالتوازي مع تدني نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، قد تضيف نتيجة هذه الانتخابات مزيداً من العطب إلى عماد النظام الانتخابي الهش أصلاً، وتضعف مزاعمه الشرعية.