الرئيس السوداني المعزول عمر البشير (أرشيف)
الرئيس السوداني المعزول عمر البشير (أرشيف)
السبت 14 ديسمبر 2019 / 21:00

البشير من رئيس متسلط إلى سجين دار الإصلاح

24 - أحمد إسكندر

لعب الرئيس السوداني السابق عمر البشير على مدى 30 عاماً في الحكم عدة أدوار بين عسكري تارة وإسلامي تارة ثمّ أصبح مطلوباً لمحكمة العدل الدولية "لاهاي"، لينتهي به الأمر اليوم محكوماً عليه بقضاء عامين في "دار للإصلاح الاجتماعي" لإدانته بقضية فساد بعد عزله من السلطة.

محاكمة البشير جرت اليوم وسط احتجاجات لمؤيديه داخل وخارج مبنى المحكمة، الذين عبروا عن رفضهم "للظروف التي تجري فيها المحاكمة".

حرية التعبير
وقالت هيئة دفاع البشير إن "المحاكمة جرت في ظروف سياسية سيئة" وبعد دعوات إلى التظاهر دعماً للبشير نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن الجيش السوداني، الجمعة، إغلاقه الطرق المؤدية إلى مقر قيادته في العاصمة السودانية، لكنه أكد على احترامه "حرية التعبير".

ونشرت صباح السبت، قوات أمنية كبيرة في شوارع العاصمة الخرطوم وقال الجيش في بيان محذراً: "سنمنع وقوع أي عنف" واتهم البشير بالضلوع في قضايا فساد بعد أشهر من إطاحته من قبل الجيش تحت ضغط الشارع حيث يرقد محتجزاً منذ (نيسان) أبريل في سجن كوبر بالخرطوم.

واشتهر البشير برقصه بالعصى خلال ظهوره علناً ولطالما أبدى جسارة، مطلقاً مواقف سياسية ومتمسكاً بها رغم الظروف المعاكسة التي جرت على السودان العقوبات الدولية وأزمات أقتصادية داخلية.

قبل أيام قليلة من عزل الجيش له في 11 أبريل (نيسان) تحت ضغط الشارع، كان لا يزال يخطب في الجماهير، معتمراً عمامته وملوحاً بعصاه.

لكن الرأي العام العالمي ينظر خصوصاً إلى الديكتاتور السابق الذي لم يتردد في سحق أي تمرد أو معارضة منذ وصوله إلى السلطة بواسطة انقلاب عسكري عام 1989، على أنه مجرم مطلوب يجب معاقبته.

جرائم دارفور
في حرب دارفور التي اندلعت عام 2003، قامت ميليشيات "الجنجويد" الموالية للنظام بترهيب سكان هذا الإقليم الغربي مرتكبة الكثير من الفظاعات خلال النزاع الذي تسبب بسقوط 300 ألف قتيل وتشريد أكثر من 2.5 مليون شخص.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية عام 2009 مذكرة توقيف بحق البشير لاتهامه بارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في دارفور وبتنفيذ ما وصفته بــ"إبادة جماعية" منذ 2010.

في مواجهة ذلك، عمد البشير إلى تحدي الهيئة القضائية الدولية عبر القيام بزيارتين إلى السعودية ومصر، حرص خلالهما على الظهور علناً أمام وسائل الإعلام.

ولم تأذن السلطات الانتقالية التي تشكلت في سبتمبر(أيلول) حتى الآن بتسليمه إلى لاهاي حيث مقر المحكمة الجنائية الدولية.

حياته
ولد عمر حسن البشير 75 عاماً المتزوج من امرأتين من دون أن يكون له أولاد، عام 1944 في قرية حوش بانقا الصغيرة على مسافة حوالي 200 كلم إلى شمال الخرطوم، في أسرة فقيرة من المزارعين وينتمي إلى قبيلة البديرية الدهمشية، إحدى القبائل الأكثر نفوذاً في البلد.

دخل في سن مبكرة الكلية الحربية في مصر، وترقى في المناصب ثم انضم إلى فوج المظليين، وشارك في حرب 1973 بين العرب وإسرائيل إلى جانب الجيش المصري.

وفي 30 يونيو(حزيران) 1989، قاد انقلاباً سلمياً أطاح بحكومة الصادق المهدي، المنتخبة ديمقراطياً، ودعمته حينها الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي.

وتحت تأثير الترابي، وضع البشير السودان الذي كان مشرذماً بين عدد كبير من القبائل ومنقسماً بين شمال ذي غالبية مسلمة وجنوب يسكنه مسيحيون، على سكة الإسلام المتطرف".

البشير والإرهاب
وأصبحت الخرطوم في ذلك الوقت مركزاً للتيار الإسلامي الدولي وآوت بصورة خاصة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى أن طردته عام 1996 تحت ضغط الولايات المتحدة.

وفي نهاية التسعينيات، ابتعد البشير عن الترابي وانفصل عن الإسلام المتطرف سعياً لتحسين علاقاته مع خصومه وجيرانه.

يقول خبير القرن الإفريقي مارك لافيرنيه مدير الأبحاث في "المركز الوطني للبحث العلمي" الفرنسي إن "البشير اكتسب مهارة مع الوقت، تعلم كيف يمارس السلطة، لم يكن في البداية شخصية من الطراز الأول" واستفاد عمر البشير في ذروة سلطته في مطلع الألفية من العائدات النفطية وأحكم قبضته على البلد.

وقّع البشير عام 2005 وسط النزاع في دارفور اتفاق سلام مع متمردي الجنوب أفسح المجال لتفاسم السلطة وتنظيم استفتاء حول استقلال هذه المنطقة التي انفصلت عام 2011 وأصبحت دولة جنوب السودان وخسر البشير ورقة بالغة الأهمية إذ يضم الجنوب القسم الأكبر من الاحتياطات النفطية، فبدأ في التراجع فيما غرقت البلاد في أزمة اقتصادية خطيرة.

وبعدما ظل البشير لفترة طويلة حليفاً لإيران التي ساعدته على تشكيل جهازه الأمني، حاول العودة إلى الحاضنة العربية كوسيلة أخيرة بعد صدمة "الربيع العربي" عام 2011 وقال مارك لافيرنيه: "لطالما تحايل البشير والتف بين نزاعات العالم العربي من أجل البقاء".

وواجه البشير في 2013 انتفاضة انطلقت احتجاجاً على غلاء المعيشة، سرعان ما سحقها النظام وفي أبريل (نيسان) 2019، سقط تحت ضغط الشارع بعد أشهر من التظاهرات.

وانتخب البشير مرتين رئيساً في عمليتي اقتراع قاطعتهما المعارضة في 2010 و2015، وكان يعتزم الترشح لولاية ثالثة عام 2020.