رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون
الأحد 15 ديسمبر 2019 / 16:10

بين أمريكا وأوروبا.. هل يحسم جونسون موقفه من إيران؟

لم يستغرب الأستاذان في كلية الخدمة الدولية التابعة للجامعة الأمريكية غاريت مارتن وميشال إيغان أن يشكل موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) محور الانتخابات التي شهدتها المملكة المتحدة مؤخراً. فقد أمِل الجمهور المحبط من الشلل الذي تسبب به بريكست أن تكسر الانتخابات ذلك الجمود.

سيكون على لندن اتخاذ خيار مشابه، التوجه صوب واشنطن أو صوب بروكسل، في الملف الإيراني

من دون هوادة، قاد رئيس الوزراء بوريس جونسون حملته على وعد بإتمام البريكست. وبعد تعزز موقعه في الانتخابات وحصد حزبه غالبية مريحة، سيكون لجونسون الآن فرصة لتحقيق ذلك وضمان خروج بلاده من الاتحاد بشكل منظم.

كتب مارتن وإيغان في صحيفة "ذا هيل" أن التركيز على بريكست خلال الحملة حجب تحديات على المقدار نفسه من الأهمية وهي ستطلب انتباهاً وثيقاً. حين تصبح خارج الاتحاد الأوروبي، قد تكسب المملكة المتحدة بعض الاستقلالية في التحرك. لكنها ستضطر للتحرك في إطار دولي يشوبه غياب اليقين وتنافس متجدد بين القوى الكبرى. لن يكون جونسون وحكومته قادرين على تفادي الخيارات المزعجة خصوصاً حول كيفية التعامل مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحتى الصين.
عثرة
استشهد الكاتبان بما أشارت إليه جنيفر رانكين في صحيفة الغارديان عن أن التحدي الجديد للمملكة المتحدة سيبدأ في اليوم التالي على تحقيق بريكست. فالخروج ليس إلا المرحلة الأولى من المسار. ستتضمن المرحلة الثانية إطلاق مفاوضات جوهرية لتحديد الشروط المستقبلية للعلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وخصوصاً بالنسبة إلى التجارة. قال جونسون مراراً إن هذه المفاوضات ستكون مباشرة متحدثاً عن احتمال التوصل إلى اتفاق في 11 شهراً. لكنّ غالبية المفاوضين التجاريين تعتقد أن ذلك غير مرجح بنسبة كبيرة بما أن هذه المفاوضات معقدة بشكل كبير.

وحذر الاتحاد الأوروبي المملكة المتحدة من أن أي اتفاق سينطوي على مقايضات. إذا دفع جونسون باتجاه تغييرات تنظيمية تختلف عن أحكام الاتحاد فستتعرض الصناعة البريطانية لتقييد إمكانات الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة. وشدد بيان حزب المحافظين على رغبته بالتفاوض بقوة حول اتفاقات تجارية حرة مع دول بارزة أخرى من بينها الولايات المتحدة. ويرجح الكاتبان أن يكون التوصل إلى اتفاق جوهري مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعيد المنال. فالأحكام التنظيمية المختلفة جداً بين الطرفين، تحديداً في معايير الزراعة وتسعير الدواء، ستكون مثيرة للجدل وحجر عثرة في الطريق.

إيران
سيكون على لندن اتخاذ خيار مشابه، التوجه صوب واشنطن أو صوب بروكسل، في الملف الإيراني. كان هذان الطرفان على تعارض بشكل متزايد حول إيران. سعت المملكة المتحدة إلى الحفاظ على الاتفاق النووي مع فرنسا وألمانيا وآخرين. لكن في مواجهة حملة الضغط الأقصى والعقوبات المتصاعدة، اتخذت إيران عدداً من الخطوات للتوقف عن احترام أجزاء من الاتفاق. إذا استمر الأخير بالانهيار، فستكون حكومة جونسون أمام معضلة: الحفاظ على الوضع القائم لن يخدم واشنطن، لكن التخلي عن الاتفاق للاصطفاف إلى جانب ترامب سيغضب شركاء لندن الأوروبيين.

بين بيجينغ وواشنطن
يتابع الكاتبان أنّ هذا التوازن في القرار سينطبق على الصين أيضاً. تفادى بيان حزب المحافظين الانتخابي وبشكل ملفت للأنظار أي إشارة إلى الصين. لكن جونسون لن يتمتع بترف تجاهل الموضوع خلال السنوات المقبلة. بعد البريكست، سيكون جونسون حريصاً على تحويل بلاده إلى مركز بارز للاستثمار الأجنبي وسيسعى إلى فرص تجارية أعظم خارج أوروبا. تؤدي الصين دوراً بارزاً في هذا المجال حيث تمثل 3.6% من الصادرات البريطانية و 7% من وارداتها. لهذا السبب، أشاد جونسون بمبادرة الحزام والطريق الصيف الماضي.

في الوقت نفسه، تواجه لندن ضغطاً أعظم من واشنطن للتشدد إزاء بيجينغ. مؤخراً، أجّلت لندن إلى ما بعد الانتخابات اتخاذ قرار بالسماح أو عدم السماح لشركة هواوي بالمشاركة في بناء شبكة الجيل الخامس من الاتصالات. بسبب ضغط واشنطن المستمر، يدرك جونسون جيداً أن الوقوف بجانب هواوي سيعرض تعاون لندن مع شركائها في التحالف الاستخباري ضمن مجموعة الأعين الخمس، أي أوستراليا والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا للخطر. لكن تجميد الشركة الصينية لن يمر بدون كلفة أيضاً وسترد بيجينغ على الأرجح عبر إيقاف الاستثمارات في المملكة المتحدة.

ليس خروجاً وحسب
أكد الكاتبان في الختام أن هذه الأمثلة الثلاث تعكس التحديات العميقة التي سيواجهها جونسون إلى جانب بريكست. لن تخرج لندن ببساطة من الاتحاد الأوروبي. سيكون عليها إعادة تحديد سياستها الخارجية في إطار دولي أكثر خطورة.