رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (أرشيف)
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (أرشيف)
الأربعاء 18 ديسمبر 2019 / 20:00

نصر بريكست وما بعده

فعلها حزب المحافظين بقيادة بوريس جونسون الذي حطم في انتخابات 12 ديسمبر(كانون الأول) 2019، حزب العمال بقيادة اليساري جيرمي كوربين.

ربما يكون بوريس جونسون انتزع نصر "بريكست" السياسي، لكن ما زال نصر "بريكست" الاقتصادي، يُمثّل تحدياً لبريطانيا

ضربة بوريس جونسون كانت ضربة جامعة لليساريين والديمقراطيين والليبراليين. بشعار انتخابي واحد، صريح ومباشر، وهو "الانتهاء من تنفيذ بريكست"، نجح بوريس جونسون في كشف تحايل اليساريين، والديمقراطين، والليبراليين على الديمقراطية التي وقفت في صف الذين طالبوا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل ثلاثة أعوام. 

انتهك بوريس جونسون معاقل حزب العمال الصناعية في شمال ويلز، والتي يُطلق عليها "الحائط الأحمر"، وهي مقاعد لم يفقدها حزب العمّال منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

والمضحك أن بعض الصحف اليسارية البريطانية، تحدثت بعد هزيمة حزب العمال، على حياء، وبيأس، عن تقرير حجبه بوريس جونسون، أو نقاه، عن تدخل روسيا في الانتخابات البريطانية.

اعترف جيرمي كوربين، زعيم حزب العمّال، بأن هزيمة الحزب كانت ثقيلة، وأن الانتخابات دارت بشكل أساسي حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنه لم يعترف بغموض موقفه، أو إمساكه العصا من المنتصف، فيما يتعلق بهذا الخروج، فكان تارةً يذكر إجراء الاستفتاء الثاني على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حالة فوزه، وتارةً أخرى يقبل البريكست، بشروط تُشبه شروط الاتحاد الأوروبي.

أثبت جونسون أن البريطانيين يمينيون، شعبويون، قوميون، حتى النخاع، وأن المماطلات البرلمانية الجدلية، طيلة ثلاثة أعوام، كانت لا تحترم كلمة الشعب البريطاني، ولهذا كان العقاب شديداً في أول فرصة ديمقراطية كبرى.

لم يفهم بعد التيار الديمقراطي، اليساري، الليبرالي، أن التعالي على كيان الدولة القومية، واحتقار كل من صوت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يأتي بنتائج عكسية تماماً.

امتد الرعب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فها هو المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن، المنافس الأول للرئيس دونالد ترامب، يحذر الديمقراطيين من الانجراف ناحية اليسار أكثر من اللازم، لكن قبل أن تنتهي جملة بايدن التحذيرية، يصف بوريس جونسون بأنه استنساخ جسدي وعاطفي للرئيس دونالد ترامب، وهذا الوصف كفيل باستفزاز الشعبويين، والقوميين، ليس في أمريكا، وبريطانيا فحسب، بل في العالَم أجمع.

قادة الاتحاد الأوروبي أحسوا أخيراً بالارتياح، لذهاب البرلمان البريطاني المعلق، المُراهِق، إلى غير رجعة، على الأقل في الأعوام الخمسة المقبلة.

الآن فقط سيقود بوريس جونسون بسوط غليظ، 80 عقدة، 80 مقعداً، أغلبية شبه تاتشرية، ظهور البرلمانيين، المتعطشة للمازوخية، لتنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير (كانون الثاني) 2020 .

لكن أيضاً قادة الاتحاد الأوروبي، أحسوا بالانزعاج، والإحباط، أمام مفاوضات المرحلة التالية، المعقدة، والتي تستغرق 11 شهراً، من فبراير(شباط) 2020 إلى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2020.

إن تنفيذ بريكست الاقتصادي، عند قادة الاتحاد الأوروبي، يُشبه نفور فيزياء أينشتاين من وحشية وفوضى فيزياء الكم.

مُفاوضات المرحلة التالية لتنفيذ بريكست، تتعلق بالاتفاق المستقبلي التجاري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وهذا الاتفاق شديد التعقيد، فهو يشمل كل شيء تقريباً، صيد الأسماك، طعام الحيوانات الأليفة، والأدوية، والألبان، والملابس، والهجرة، والعقوبات القانونية الدولية، ونسب عوادم السيارات، ومعضلات أخرى في المناخ، ومنح البحث العلمي في الجامعات، ومجال الذكاء الاصطناعي، وعلم الوراثة، وشكل البنى التحتية التي تخدم التفتيش على البضائع.

حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من أن تكون بريطانيا منافسة للاتحاد الأوروبي بعد بريكست، ما قد يدفع الأوروبيين إلى اتخاذ قرارات بوتيرة أسرع.

ما تعنيه المستشارة أنجيلا ميركل، هو أن أوروبا لن تسمح بعقد اتفاق تجاري كبير مع بريطانيا، وفي نفس الوقت، تُبرم بريطانيا اتفاقاً تجارياً كبيراً مع الولايات المتحدة الأمريكية. المشكلة أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تسمح أيضاً لبريطانيا بعقد اتفاق كبير مع دول الاتحاد الأوروبي، إذا كانت تريد اتفاقاً تجارياً كبيراً مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن جهتها أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، أن 11 شهراً، مدة زمنية قصيرة جداً، لإبرام اتفاق تجاري كبير مع بريطانيا، الأمر قد يحتاج إلى ثلاثة أعوام ، أي إلى 2023.

هذا يعني أن بوريس جونسون عليه قبل نهاية 2020 ، طلب تأجيل آخر، أو تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق تجاري بحلول نهاية 2020.

بوقاحة باردة، أنيقة، تليق برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، قالت إن أوروبا تريد في علاقتها المستقبلية الاقتصادية مع بريطانيا، تعريفة جمركية صفرية، وإغراقاً صفرياً. بلغة الاقتصاد تريد أوروبا تفريغ بريكست من معناه، وكأن بريطانيا لن تخرج في المستقبل عن قواعد الاتحاد الأوروبي، وقواعد العولمة.

في الرأسمالية، وليس هناك شيء خارجها، تمارس كل الدول الإغراق الصفري المُتبادل، وهو اكتساح سلع دولة مصدرة، أو سلعة بعينها، لسوق دولة مستوردة، فتموت الصناعة المحلية لتلك السلعة في الدولة المستوردة، والقوة الاقتصادية هي التي تفرض على الدولة المستوردة الاستسلام، وعدم القدرة على المنافَسَة.

ربما يكون بوريس جونسون انتزع نصر بريكست السياسي، لكن لا يزال نصر بريكست الاقتصادي، يُمثل تحدياً لبريطانيا.