نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مفتتحاً منصة مدرسة.(أرشيف)
نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مفتتحاً منصة مدرسة.(أرشيف)
الأحد 22 ديسمبر 2019 / 20:18

الذكاء الاصطناعي في اللغة العربية

نحلم بلغة غير قابلة للخطأ البشري الناتج عن جهل أو عجز أو زلة لسان، نحلم بأن نسمع نشرة الأخبار من مذيع آلي لا يلحن في اللغة ولا يتعثر

في خضم احتفالات عامة باللغة العربية ويومها العالمي كان أبلغ وأفضل وأحكم وأجمل ما قيل: "اللغة العربية تحتاج إلى مبادرات وليس احتفالات". والعبارة هنا ليست لأحد المنظرين في الشأن اللغوي، ولكنها لمدرسة الإدارة والريادة والعمل والإنتاج، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

القول الجميل عززه عمل جميل، فليس من منهج سموه أن يخالف فعله قوله، أو يقصر عنه. ولذا كان أجمل ما قدم للغة العربية في يومها هو المبادرة العالمية لسموه "مدرسة" التي تضم آلاف الفيديوهات التعليمية في اللغة العربية. وبذا قطعت "مدرسة" محمد بن راشد قول كل خطيب وشاعر ومعلم ولغوي ومحب لم يقدم للغة العربية سوى الهتاف بحبها والتغني بقداستها.

اللافت للنظر أن الخطّة الدّوليّة للثّقافة العربيّة في منظّمة اليونسكو قد قررت أن يكون الاحتفال هذا العام في محور "اللغة العربية والذكاء الاصطناعي" وأعلنت ذلك منذ شهور، ومع ذلك لم نجد أيا من الاحتفالات المتناثرة هنا وهناك، والأصوات العالية بالهتاف، والمنشورات التي ترسل وتنشر وتشارك وتدوّر وتُعجِب أي ذكر لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة العربية. فما زلنا نحلم.

نحلم بلغة غير قابلة للخطأ البشري الناتج عن جهل أو عجز أو زلة لسان، نحلم بأن نسمع نشرة الأخبار من مذيع آلي لا يلحن في اللغة ولا يتعثر. نحلم بأن نكتب ونترك للآلة أن تصحح الكتابة آلياً، بل وتريحنا من عناء تشكيل الكلمات.

لكم أن تتخيلوا أن العربية ستزداد جمالاً بخطوطها التي تكتب بيد لا تهتز فليست يداً من لحم ودم. لكم أن تتخيلوا أن الذكاء الاصطناعي سيرسم الحرف رسماً عجز عنه الخطاطون، وربما يخترع خطاً جديداً لم يكتشفه ابن مقلة.

وليس ببعيد أن يُبعثَ المتنبي من جديد ويقولَ شعراً يحمل بصمات كلماته وأسلوبه وفخره، فالذكاء الاصطناعي الذي أدخل فيه شعر المتنبي كلُّه، سيعطي مما أخذ. وسنرى شعراً للمتنبي يكتب في القرن الحادي والعشرين. وعليه، فإنه من المهم أن تفسحوا مكاناً لسيبويه ليكمل كتابه الذي لا تركه بدون عنوان فسوف يكتب الذكاء الاصطناعي فصولاً جديدةً وأبوابا تواكب العصر. الخليل أيضاً سيكون حاضراً بمعجمه الذي يتوسع وفق رؤية صاحبه ومنهجيته حتى إذا رآه الخليل في ميزانِ حسناتهِ يومَ الدين لم ينكره.

ستبدع الأجهزة الذكية كتابة أدبية من تلقاء ذاتها، بل ستوظف بلاغة العرب في الوصول إلى تعبيرات لم تستخدم من قبل، ومعانٍ لم يلمحها الجاحظ في طريقه. لن نحتاج إلى جهد المترجمين وانتظارِ السنين لنقرأ ما كتبه الآخرون بلغتهم، أو لننقل لهم ما كتبناه، فالمترجم الآلي سيفعل ذلك في برهة.

لن يرهق متعلمي العربية تشعبُ علومها أو صعوبةُ مخارج حروفها أو كثرةُ قواعدها، فالذكاء الصناعي سينظم ويسهل ويبسط، وسيذهب بالتعليم إلى آفاق أرحب. حتى متعلم الشعر يكفيه أن ينتقي وزناً ويختار معنى وستكتب القصيدة نفسها بنفسها.

قد تبدو هذه أحلاماً، لكن الواقع الذي نراه أن الذكاء الاصطناعي ترميزاً، وتصنيفاً، وتوليداً، وهيكلة، واختياراً، وتطابقاً، وتحققاً، واكتشافاً، وتطويراً، وتطبيقاً، ودمجاً، ونمذجة، ومحاكاة، وإنتاجاً قادر على أن يخدم اللغة العربية حرفاً، ورسماً، وصوتاً، وكلمة، وصرفاً، وجملة ونحواً، ومعجماً، وشعراً، ونثراً، وبلاغة، وعَروضاً، وترجمة. فانتظروا إنا منتظرون.